تكوين شبكات تجسس، إرسال مدربين وخبراء عسكريين، وضخ أموال لاستقطاب عملاء ومرتزقة جدد، ومنح دراسية وتدريبية قتالية، وصفقات أسلحة يتم ضبطها بين الفينة والأخرى على امتداد شريطنا الساحلي، كل هذا وغيره مما دق وخفي هو ملخص الأعمال الإيرانية في اليمن، والسؤال العريض الذي يفرض نفسه هنا هو: ماذا تريد إيران بأعمالها هذه كلها في اليمن؟! وللإجابة على هذا التساؤل يتحتم علينا أن لا ننظر للأفعال الإيرانية من زاوية واحدة محدودة الرؤية بل يجب علينا أن ننظر للأمر من زوايا متعددة، بأبعاد آنية ومستقبلية، تريد من خلالها إيران كسب جولات الصراع الحالية والمستقبلية، والتي تشير كافة التوقعات إلى أن الثورة السورية لن تبقي مكبوحة الجماح, بل ستلقي بظلالها ابتداءً على كافة الدول العربية المجاورة لها، وهو ما بدأنا نلمحه بالفعل باجتياح رياح الربيع العربي العراق، لتأخذ الثورة السورية على إثر ذلك أبعاداً شأنها تحديد ملامح الصراع الدولي القادم وطبيعة التحالفات الدولية القادمة، وهو الأمر الذي بدت على إثره إيران تفقد أعصابها مبكراً وهي ترى العراق تعصف به اليوم رياح التغيير، خصوصاً بعدما أرادت للعراق أن يكون بوابتها إلى جانب سورية والبحرين لولوج منطقة الخليج واليمن على الطريق لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية الكسروية، وذلك بتحركاتها الجنونية المفضوحة والهادفة إلى نقل جزء كبير من العتاد العسكري لأتباع مذهبها الرافضي في منطقة الخليج واليمن على وجه الخصوص، قبل دخولها كطرف له حلفائه في أي صراع دولي محتمل ومباشر، لتضمن بهذا جعل منطقة الجزيرة العربية وبلاد الشام والعرق ساحة للحرب الدولية القادمة، تحاشيا منها لأي توسع يهدف لجعلها جزءاً من ساحة الصراع المشهود الذي بدأ بسورية وها هو اليوم على وشك أن يثني بالعراق، إيران الساعية اليوم بتهور إلى إدخال المنطقة العربية دوامة الحرب وجعلها ساحة صراع دولي مفتوحة مدركة جيداً أن رهان نقل المعركة من سورية إلى غزة في الأشهر الماضية باء بالفشل حينما أراد العدو الصهيوني فك الضغط الذي يواجهه النظام السوري وصرف الأنظار عن سورية إلى غزة لإنقاذ حارس الأمن القومي الصهيوني من شعبه، كما تدرك أن ثورة العراق باتت تمثل متنفسا لثوار سورية، فهي جبهة جديدة وتحد يواجهه حلفاء الأسد، وهو ما حتم على النظام الإيراني أن يحتفظ لنفسه بعنصر المباغتة الذي على إثره يجب أن تكون إيران صاحبة الضربة الإستباقية الأولى، وهذا هو التفسير الحقيقي لتهور إيران في نقل السلاح لأتباعها وحلفائهم في اليمن تباعا ودون توقف، لتضمن لأتباعها وحلفائهم وجوداً قوياً يضاهي إن لم يفق قوة الدولة يمكنهم ويتمكنوا من خلاله من الانقضاض على الدولة لتصبح في قبضتهم لصير على إثر هذا سواحل اليمن وممراته المائية غير مقلقة لإيران، بل مناطق أمن وحماية لأمن إيران، كما ستصير اليمن بهذا السيناريو الإيراني مصدر خطر وقلق لأمن دول الخليج ومصدر قوة ومدد لأتباع إيران في الخليج الذين تعول عليهم إيران أن يفجروا مجتمع الخليج من الداخل بغية خلط الأوراق والسعي للسيطرة على الأنظمة هناك، فإن لم يتحقق هذا السيناريو في اليمن بامتداداته هذه، فسيتم التحول فوراً نحو إشعال اليمن حرباً أهلية تكون كفيلة بتفكك وتقسيم اليمن إلى أكثر من شطر وهو السيناريو الأخطر بالنسبة لليمن واليمنيين وبالنسبة لأمن الخليج والعالم حيث سيسهل من خلاله تمدد هذه العصابات على الشريط الساحلي لليمن سعيا منها لأن تتمكن من السيطرة على مضيق باب المندب وخليج عدن، كما سيسهل عليها التحرك ومد أذرعتها داخل دول الخليج سعيا لتفجير تلك المجتمعات التي لن تبقي بمعزل عما يدور في اليمن من داخلها، تبادل الأدوار هذا هو الذي تعول عليه إيران في تخفيف وطأة المواجهة العسكرية التي ستخوضها حتى تتمكن من إحراز نصر أو حتى ضمان عدم هزيمتها مبكراً، وهنا يجب أن نعي جيداً أنه لا يجب علينا أن نحول اليمن إلى محرقة في سبيل إيران، ولا يجب علينا أن نتحول إلى قتلى وجوعي ومشردين وقتلة تصل على جماجمنا ومعاناتنا إيران إلى مبتغاها.. إن الواجب والمصلحة الوطنية اليوم يحتمان علينا أن نسعى جاهدين لأن نلملم جراحنا ونستيقظ من سباتنا ونفيق من غفلتنا منتبهين لمخططات أعدائنا التي لا تريد لألأمنا أن تزول ولا لجراحاتنا أن تلتئم، ولا لعافيتنا أن تتجدد، ولا للحمتنا أن تلتحم فتتوحد، ولا تنشد لوطننا نهضة ولا آمن ولا استقرار ولا تنمية، لنسهم بوعينا في تبدد رهانات ومخططات أعدائنا.
نجيب أحمد المظفر
إيران .. مخططات للدمار!! 1496