في خضم التعقيدات الإقليمية والضبابية التي تحيط بمستقبل اليمن، تبرز تساؤلات جوهرية تتعلق بمواقف التحالف العربي، خاصة تجاه معركة استعادة العاصمة صنعاء وإنهاء الانقلاب الحوثي المدعوم من طهران. ومع تصاعد هذه التساؤلات، يزداد شعور اليمنيين بأن معركتهم المصيرية تُدار خارج إرادتهم، وأن قرار التحرير لم يعد يمنيًّا خالصًا، بل مرهون بإرادات إقليمية لا تُفصح عن نواياها بوضوح.
كل المعطيات تشير إلى أن الظروف السياسية والعسكرية والاجتماعية باتت مهيأة أكثر من أي وقت مضى لخوض معركة الحسم، ومع ذلك يُمنع اليمنيون، ممثلين بحكومتهم الشرعية، من اتخاذ قرار التقدم نحو صنعاء، تحت ذرائع مبهمة وضغوط غير مبررة. وإذا كان الهدف المعلن لتحالف دعم الشرعية هو مواجهة المشروع الإيراني في اليمن، فإن ما يحدث اليوم يناقض هذا الهدف تمامًا، ويمنح المليشيات الحوثية مزيدًا من الوقت لترسيخ سلطتها وتحويل اليمن إلى قاعدة متقدمة لإيران في الجزيرة العربية.
في المقابل، يمكن القول إن الأهداف غير المعلنة للتحالف تحققت إلى حد كبير: السيطرة على الجنوب تمت، الإطاحة بالرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه نُفذت، الهيمنة على القرار السياسي اليمني في أعلى مستوياته تحققت، فأصبحت الرئاسة والحكومة والبرلمان والشورى والأحزاب والمشايخ تحت تأثير مباشر أو غير مباشر من قوى داخل التحالف. فما الذي تبقى بعد ذلك؟ ولماذا يُمنع الشعب من استعادة عاصمته وإنهاء كابوس المليشيا؟
تحرير صنعاء لا ينتقص من نفوذ التحالف، بل يعزز مصداقيته أمام الرأي العام اليمني والعربي، ويخفف من معاناة ملايين النازحين، ويفتح الباب لاستعادة الدولة وإنهاء الكارثة الإنسانية التي تطحن اليمنيين يومًا بعد يوم. بل إن إطالة أمد الانقلاب وتحويله إلى واقع دائم هو ما يهدد نفوذ التحالف ويغذّي مشاعر الغضب والخذلان داخل الشارع اليمني.
نحن هنا لا نناور سياسيًا، بل نطرح حقيقة يتداولها الشعب بكل فئاته: اليمن لا يريد القطيعة مع محيطه العربي، بل يتمسك بعلاقات استراتيجية وأخوية مع أشقائه، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية. فجغرافيا المنطقة، واللغة، والعقيدة، والمصير، كلها روابط لا يمكن تجاوزها. لكن استمرار الضغط على الشرعية لمنعها من اتخاذ قرار التحرير سيُنتج واقعًا جديدًا لا يمكن التنبؤ بتداعياته، ولا أحد سيكون بمنأى عن نتائجه.
اليمن – شعبًا، ومقاومة، وجيشًا، وقبائل، ونخبًا – بات أقرب إلى لحظة الانفجار. فوّهة البركان تتسع، والقرار الشعبي بات أقرب من أي وقت مضى. هذا البركان لن يظل ساكنًا طويلًا، ومعركة التحرير قادمة لا محالة، وستبدأ بقرار يمني خالص، وتنتهي في قلب صنعاء، سواء دعمها التحالف أو قرر أن ينأى بنفسه.
وإن كان التحالف العربي يجد نفسه في حرج سياسي أو إقليمي يمنعه من دعم هذه اللحظة المفصلية، فنحن نؤكد أنه في حلٍّ من أي التزامات، مع تمسكنا الكامل بعلاقات الأخوة، ورفضنا القاطع لتحوّل اليمن إلى منطلق لتهديد جيرانه، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية.
ما يعانيه اليمنيون اليوم تجاوز حدود التحمل، والمعاناة لم تعد فقط أزمة سياسية، بل أصبحت مأساة إنسانية وأخلاقية. لذلك، لا تجعلوا من أنفسكم جزءًا من المشكلة، ولا تتحولوا إلى حائط صد يحمي هيمنة إيران ومليشياتها، بل كونوا شركاء حقيقيين في استعادة اليمن وتحريره.
اليمن سيتحرر، بكم أو بدونكم، ولكن خيار الشراكة معكم لا يزال قائمًا... والفرصة لم تضع بعد.