ويمبلدون أعرق بطولات التنس، انطلقت على ملاعب نادى «كل إنجلترا للتنس والكريكيت» عام 1877. والبطولة لها تقاليدها التي تحتفظ بها حتى اليوم، مثل الملابس البيضاء. وإذا سألتك عن المباراة النهائية التي تتمناها فقد ترى أنها بين فيدرر وموراي، لأن الأخير له جمهوره البريطاني الذى يشجعه، فتلعب معه المشاعر والعواطف. فيبكي حين يفوز ويبكي حين يخسر. لكن ربما كنا نحلم جميعا بتكرار نهائي إستراليا بين نادال وفيدرر. وربما ننتظر نجما جديدا يضفي المتعة والإثارة.. لكنني ما زلت أذكر معركة 1980 في المباراة النهائية بين السويدي بيورن بورج والأمريكي جون ماكنرو واستمرت خمس مجموعات وانتهت بفوز بورج جبل الثلج كما كان يسمى لبرود أعصابه 3/2.. بينما كان ماكنرو بركانا، ويلعب مهاجما على الشبكة. أما بورج فهو ملك الراليات واستاذ الملل، الذي يدفع المنافس للخطأ..
تغيرت لعبة التنس وتغير الأبطال. وغابت المدرسة الأمريكية، فالمصنفون العشرة الأوائل ليس بينهم لاعب أمريكي واحد، وكانوا ملء السمع والبصر في النصف الثاني من القرن العشرين. مثل ماكنرو وكونورز وليندل وأجاسي وسامبراس.. فالأبطال اليوم صربى وإسباني وسويسري وبريطاني. فقد كان بيت سامبراس آخر أمريكي يحرز اللقب قبل 17 عاما.. وفى بطولات السيدات ما زالت عائلة ويليامز تدافع عن مدرسة التنس الأمريكية قبل أن تنقرض هي الأخرى من عالم اللعبة.. وذلك من خلال سيرينا وفينوس..
عاد نادال بعد إصابات غيبته فترة طويلة، ويعود فيدرر بعد إراحة جسده. وحقق ديكوفيتش أول فوز ببطولة بعد 6 أشهر من الإخفاق.. لكن في ويمبلدون نجوم يلفتون الأنظار.. وهم أطفال البطولة الذين يجلسون حول الملاعب ومهمتهم الوحيدة هي جمع الكرات..
راقب هؤلاء الأطفال، راقبهم وهم يؤدون عملهم. كم هم سعداء، ويمارسون جمع الكرات بمنتهى الجدية والتركيز والحماس، والفخر. فعلى الرغم من أنه عمل بسيط أو عمل سهل، فإنهم يؤدونه كأنه قيادة طائرة مقاتلة. وهذا قمة الاحترام للعمل. ويمكن أن يكون هؤلاء الأطفال أبناء ناس بسطاء أو ناس أثرياء.. والأطفال مدارس يتعلمون الكثير من الدروس والكثير من القيم. لكنهم في ملاعب ويمبلدون يتعلمون قيم الكفاح والنضال وعدم اليأس، وقيم الإبداع والابتكار والمهارة. هم يتعلمون في مدارسهم بالتلقين من المدرس، وهم يتعلمون في رحاب ويمبلدون بالمشاهدة، وبأداء النجوم.
اللعبة الجميلة وملعبها الجميل الذى يبدو مثل محراب عندهم يساويان هدفا لأى طفل. فهو في النهاية شارك في بطولة ويمبلدون في يوم من الأيام، أعرق بطولات التنس.. أما الدرس الذى يجب أن يصل إلى كل بقعة في إقليمنا العربي من خليجه إلى محيطه فهو أن أقل عمل، وأبسط عمل، يستحق الاحترام ويستحق أن نمارسه بجدية وتركيز وحماس وإتقان وحب وسعادة وفخر كمان.. هكذا يعلمنا أطفال ويمبلدون..
** نقلا عن صحيفة الشروق المصرية