يقال.. ينفخ الشيء أي يدخل قدرا زائدا من الهواء مستخدما فمه أو جهازا ليزيد من حجم الشيء او من الضغط داخله.
ولكن تعبير (نفخ) في اللغة العربية المصرية الدارجة يستخدم على نحوين مختلفين تماما عن المعنى اللغوي المعروف.
يقولون: نفخ شخصا أي مدحه بما ليس فيه ليرفع من قدره على نحو غير صادق.
وفي اللغة العامية الحديثة على المصريين (لغة الروشنة بين الشباب) يقولون أيضا: نفخ شخصا أي عاقبه بشكل زائد جدا عن المعدل الطبيعي.
وشاءت الاقدار ان يشهد شهر فبراير 2017 عمليتي نفخ كبيرتين من النوعين المتناقضين لحارس المرمي المصري المخضرم عصام الحضري بفارق زمني محدود.
ففي نهائيات الامم الافريقية الاخيرة في الجابون استفاد الحضري من اصابة الحارس الاول شريف اكرامي قبل يومين من الافتتاح ثم من اصابة الحارس الثاني احمد الشناوي في مطلع المباراة الاولى ضد مالي.. ومنحته تلك المشاركة فرصة تحقيق رقم قياسي لاكبر لاعب يشارك في نهائيات الامم الافريقية على مر التاريخ (يومان بعد اكماله 44 عاما).. ونظرا للفقر الحاد في الانجازات الحقيقية للنظام المصري على كل الاصعدة انتهز الاعلام الراكع للنظام تلك الفرصة لنفخ الحضري وتحويله الى اسطورة لكرة القدم..
واستمرت عملية النفخ المبرمجة من الآلة الاعلامية الخاضعة للنظام حتى تخيل البعض ان وجود الحضري كفيل بنظافة شباكه حتى لو لعب ضد رونالدو وميسي.. وعندما جاءت المباراة النهائية ضد الكاميرون وتعرض منتخب مصر لقليل من الضغط الهجومي انكشف الحضري تماما واستقبلت شباكه هدفين.. ثانيهما ما كان ليدخل في نصف حراس المرمى المشاركين في البطولة.. وكشف عن نقص حاد للحارس المخضرم في عناصر التركيز والتوقع والرشاقة ورد الفعل.. وخسرت مصر اللقب وبقي الاعلام غير الصادق على موقفه من تعظيم الحضري واعتباره النجم الاول في المسابقة القارية..
والحقيقة أنه لم يفز بلقب احسن حارس مرمى وذهب الى الكاميروني اوندوا كما انه لم يكن بين احسن ثلاثة لاعبين في الفريق المصري.. وامتاز محمد صلاح على اقرانه وتبعه الثلاثي احمد حجازي ومحمود كهربا وعبدالله السعيد.
شاءت الاقدار أن تنقشع سحابة الزيف سريعا.. ويبدو ان الحضري كان أول المصدقين لما أحاطه من زيف.. واصبح متعاليا علي كل شيء حتى انه وضع لنفسه سعرا يتجاوز ربع مليون جنيه للظهور في اي برنامج تليفزيوني.. ومع استمرار عجزه عن وضع قدميه على الارض وسيره على الهواء كان سقوطه حتميا.. وهو ما حدث قبل يومين من مباراة رسمية لناديه وادي دجلة ضد ناديه القديم الاهلي في الدوري المحلي.. وفوجئ الجميع بالحضري يصفع زميله الحارس الصاعد خالد وليد على وجهه خلال المران كما يصفع مدرسا احد تلاميذه الخارجين عن الادب او النظام.
تصرف غريب من لاعب يزيد عمره على 44 عاما أي أنه مر بكل التجارب الصعبة وتعرض لكل الضغوط وواجه كل الاستفزازات دون ان يفقد أعصابه ولو لمرة واحدة في ربع قرن في الملاعب.. ولكن زيف النفخ أفسده.
وجاء موعد النفخ الثاني.. وجدها أحمد حسام المدير الفني للفريق فرصة لمعاقبته بالنفخ الزائد واستعراض عنصر تربوي لا يمتلكه.. وقرر طرد الحضري وتغريمه وايقافه عن اللعب ضد الاهلي.. وتبارى صحفيون ومعلقون لم يكن لهم دور في عملية النفخ الاولى في ممارسة النفخ وذبح الحضري هذه المرة.
ما طار طير وارتفع.. إلا كما طار وقع.
** نقلا عن صحيفة استاد الدوحة القطرية