تقسو علينا ونتحمّلها، تعذّبنا وتقهرنا ونزداد تعلقاً وشغفاً بها، كباراً وصغاراً، تبكينا وتوجعنا ونحبّها في كل مرة أكثر، هي كرة القدم... وما أدراك ما كرة القدم.
مُخطئ من يظن أن المشاعر والحبّ والأحاسيس هي أمور تقتصر على العشاق فقط، مُخطئ من يعتقد أن لا مكان للرومانسية في عالم الرياضة، وكرة القدم تحديداً.
هل هناك ما هو أكثر رومانسية من تصميم لاعب مريض على اللعب مع فريقه بدل من أن يخلد للراحة والتعافي ومشاهدة المباراة من بيته ومع عائلته! هل هناك أكثر رومانسية من إلغاء مشروع أو الذهاب إلى مناسبة معينة بسبب تزامنها مع مباراة لفريقك المفضل؟
كثيرون من الذين لا يتابعون كرة القدم ولا "يفقهونها"، لا يعرفون أن جمهور كرة القدم يضبط "روزنامة" أسبوعه حسب مباريات فريقه، لا يعرفون أن هناك من يبكي عند الخسارة، ومن يبكي أكثر عند الفوز... بل حتى هناك من تدمع عيناه فقط لمجرّد رؤية ألوان قمصان فريقه تنزل أرضية الميدان. لا يعرفون ولا يصدقون!
ألا تكفي هذه الرومانسية! كرة القدم التي تستحوذ على قلوب وأذهان الجماهير، تلك "الخبيثة" التي تشبه "الفايروس" الذي يدخل أجسادنا ويجعلنا نعتاد عليه، ونرفض التخلّي عنه على الرغم من أنه "فايروس"، لكنه "مرض" لا يريد عشاق كرة القدم منه شفاء، ويرفضون حتى تناول الدواء.
على الرغم من كل الأوقات الصعبة التي نعيشها وتجعلنا أحياناً نُقسم أننا لن نشاهد كرة القدم مجدداً، إلا أننا في داخلنا، نعرف تماماً أننا نكذب، وأننا سننتظر المباراة المقبلة بشغفٍ أكثر من المباراة التي سبقت.
نعطيها أكثر مما تعطينا، نعشقها أكثر مما تعشقنا، تستهلكنا وتستهلك أعصابنا ومشاعرنا وحتى طاقاتنا، لكننا نحبّها، في كل مرة تخذلنا فيها، نحبها أكثر، ونزداد تمسكاً بها... هي كرة القدم... وما أدراك ما كرة القدم..
** نقلا عن صحيفة العربي الجديد اللندنية