لازلت احتفظ في ذاكرتي بنهائيات كأس إفريقيا للأمم التي لعبت بالجزائر سنة 1990 وكيف توّج "الخضر" بالتاج القاري لأول مرة في تاريخه، وكيف تمكن كرمالي، رحمه الله، من إعادة البسمة إلى الجماهير الكروية بعد إفلاس كروي دام سنوات، وكيف استطاع بجرأته أن يبعد النجم لخضر بلومي من المشاركة في كأس إفريقيا..
ورغم إلحاح أصحاب القرار، ولكنه تحدى الجميع، ووضع الثقة في مجموعة من اللاعبين أثبتوا في آخر المطاف أنهم كانوا في مستوى الثقة التي منحت لهم من طرف الطاقم الفني للخضر، ففازوا في أول مباراة أمام نيجيريا بخماسية كاملة، وفي ثاني مباراة أمام كوت ديفوار بثلاثية، وفي ثالث لقاء أمام الفراعنة بثنائية، مكنتهم من التأهل إلى نصف النهائي، لأن الدورة يومها كانت تلعب بثمانية منتخبات فقط، وتأهلوا إلى النهائي على حساب كوت ديفوار بثنائية، ليتوجوا بالكأس الإفريقية الوحيدة في تاريخ المنتخب الجزائري أمام المنتخب النيجيري بهدف تاريخي للمحترف شريف وجاني، لتبقى حسب رأيي تلك الطبعة الأحسن في كل المشاركات الإفريقية للكرة الجزائرية، لأن أغلب المتوجين كانوا ينشطون في البطولة الجزائرية، ولم يلعبوا أبدا من أجل المال، بل من أجل إسعاد الجزائر، ومثلما قال رئيس الاتحاد الكروي يومها عمر كزال رحمة الله عليه "أخشى أن لا نفوز بهذه الكأس مرة أخرى، وصيتي للتتويج مرة أخرى هي النية الصادقة، وليس المال، لأن كل المنتخبات لها ذلك".
ونحن على بعد بضعة أسابيع من انطلاق هذه المنافسة القارية بالغابون، أتمنى لو أعطى جيل 1990، الذي زار مركز سيدى موسى في الأيام الأخيرة الوصفة الحقيقية لرفقاء براهيمي من أجل الظفر بالكأس، أمام منتخبات تسعى كلها لنفس الهدف ولها نفس الإمكانيات التي تتوفر عليها تشكيلتنا التي اختارها المدرب الوطني... الجيل الذهبي للكرة الجزائرية الذي دخل التاريخ رغم أنف بعض الحاقدين، لم يكن يتقاضى أموالا طائلة، ولا يملك أفخر السيارات، ولا يلعبون في أكبر الأندية الأوربية، ولا يبيتون في أفخم وأرقى الفنادق، بل إرادتهم الفولاذية، وحبهم لوطنهم، وأفراح جماهيرهم، واحترامهم لمدربيهم المحليين، كانت غايتهم الأولى والأخيرة، فنالوا التاج الإفريقي بالنتيجة والأداء ولا أحد يستطيع أن ينكر ما قام به يومها القائد ماجر، مناد، مجاني ، شريف الوزاني، عماني، راحم، عجاس، بن حليمة، سرار، مغارية، صايب، الحارس عصماني، والقائمة طويلة، فهل يدرك الجيل الحالي الذي وفر له الاتحاد الجزائري كل الإمكانيات، وجعله في ظروف تسمح له بالفوز بالتاج الإفريقي، فالتنقل في طائرة خاصة، والتحضير في أحسن المراكز، والمبيت في فنادق درجة خامسة، كلها عوامل لم تكن متوفرة وقتها للجيل المتوج وفازوا بالكأس الإفريقية، فهل ينتفض جيل سليماني ومحرز وبن طالب، ويدخلوا التاريخ مرة أخرى، أم أن هذا الحلم يبقى مجرد حلم فقط، ويبقى التتويج بالكأس من سابع المستحيلات.
لا أظن أن رئيس الاتحاد، أو المدرب الوطني، وحتى أغلب اللاعبين لا يريدون إهداء الجزائر كأسا افريقية ثانية، رغم أنهم يدركون أن الذي يفوز بها ليس منطقيا الأحسن في القارة، فكم من منتخبات كانت تضم أحسن اللاعبين ولم تتذوق حلاوة الكأس، فليس بالضرورة منتخب يضم سليماني ومحرز وبن طالب وغيرهم يتوج بالكأس القارية، ما لم تحدوهم "إرادة افريقية خالصة"، وعليهم أن ينسوا أنهم يلعبون في أوروبا، لأن لإفريقيا خصوصياتها، ونيل الكأس يستحق التضحية، فهل بإمكان هذا الجيل من اللاعبين أن يمنحنا كأسا افريقية ثانية، أم علينا انتظار جيل آخر، وهو ما لا نتمناه.
** نقلا عن جريدة "الشروق" الجزائرية