قبل خمسين عاما كانت مباراة الاهلي والزمالك في مصر تمثل حدثا رياضيا ضخما عند أغلب عشاق كرة القدم في العالم العربي.. وكانت جماهير الكرة الخليجية منقسمة بين تشجيع الناديين الكبيرين بصورة تزيد عن ارتباطهم بأنديتهم المحلية.
قبل أيام قليلة.. التقى الاهلي والزمالك في ختام مرحلة الذهاب في الدوري المصري.. وشاءت الاقدار ان يكون توقيت لقائهما خاليا من أي مباراة اجنبية أو عربية.. وهو ما يتيح الفرصة لكل من يهتم بشؤون كرة القدم أن يتابعها حتى ولو لم يكن عارفا بالفريقين او بالكرة المصرية.
للأسف.. لم تحظ المباراة التي يتغنى المصريون بأنها مباراة قمة بالاهتمام في المقاهي بل ان أغلبها كان مشغولا باعادة مباريات سابقة أو بث برامج رياضية أو مسابقات غير كروية.. ولولا وجود مجموعات من جماهير الناديين في الخليج وحرصهم على مشاهدة المباراة في بعض المقاهي والفنادق المتناثرة ما أحس أحد بالقمة المصرية.
المباراة اقيمت وراء ابواب مغلقة في ملعب بتروسبورت (أحد أصغر وأحدث الملاعب في القاهرة) وشهدها ستمائة متفرج فقط بواقع ثلاثمائة مشاهد لكل ناد.. ورغم قلة العدد الا ان سبابهم المتبادل كان يشعرك بأنهم نصف مليون شخص.. وقلة العدد تتيح لثلة من المراقبين او مسؤولي الامن الامساك بكل شخص يفضل السباب على التشجيع.. ولكن الامن اختار فضيلة الصمت والتجاهل وترك العنان للجمهور المنفلت لمزاولة السباب لتنفيث غضب وضغط يعيشونه خارج الملاعب.. كما أن قلة العدد تتيح الفرصة لمسؤولي البث التلفزيوني لوضع سماعاتهم بعيدا عن المدرج المكتظ بالجمهور والسباب وتوزيعها في أماكن أخرى.. ولكن مسؤولي البث اختاروا فضيلة نقل السباب الى جمهور المشاهدين حول العالم لنقل الصورة الكريهة للجمهور.
وفور نهاية اللقاء الذي انتهى بفوز الاهلي 2 - صفر تبارى انصار الخاسر (من مسؤولين ومدربين وفنانين وصحفيين) في توجيه لعناتهم للجماهير والمطالبة باقامة المباريات المقبلة وراء ابواب مغلقة نهائيا دون السماح لمتفرج واحد بالدخول حفاظا على الاخلاق (التي تجاوزها الكثيرون منهم في نقدهم لسباب الجمهور).
وهكذا يسعى المصريون من سلطات حكومية وامنية وصحفية في توحد غريب لمنع الجمهور من العودة الى الملاعب رغم مرور خمس سنوات على القرار الفاسد باقامة المباريات وراء ابواب مغلقة بعد مذبحة جمهور الاهلي في بورسعيد، رغم ان تلك السلطات هم أصحاب المصلحة ماليا ومعنويا واجتماعيا ورياضيا لعودة الجمهور.. وعلى الجانب الاخر وجه الفيفا انذارا للاتحاد المصري ببدء عقوبات ضده اذا استمر غياب الجمهور عن الملاعب في عام 2017.
الغريب حنون على الجمهور المصري.. والقريب يحاربه وكأنه عدوه.
** نقلا عن استاد الدوحة القطرية