لم نكن نعتقد أن تكريمه سيتأخر كل هذا الوقت.. ولم نكن نرى أن ذلك التأخير له ما يبرره.. فهو فلاح بسيط منذ عهد البلاشفة.. شاقي حالما قويت قدماه على النهوض به.. ومسئول حينما علم أنه يدعى خالد صالح حسين.
سكنت قلبه الطيبة التلقائية.. وكل من عرفه قال بصوت مسموع "إنه الطيبة التي تسير على قدمين".. والتلقائية التي تجدها غالبا عند من يترك (سوم) حقله، ويهاجر للمدينة.. وعندما دخل المدينة على حين غفلة من أهلها.. أواخر الثمانينات.. لم يقل سوى كلمة واحدة (بسم الله، وتوكلنا على الله).. فوجد القبول والترحاب.
كما قدم لنا الصدق وإخلاص البواطن والظواهر، دخل الرياضة لاعبا وجناحا مع فريق الصمود الضالعي.. حاسبا نفسه كرويف هولندا وجناح برشلونة الطائر.. وسمى باكورة نسله يوهان تيمنا وعشقا بذلك الهولندي الذي أسكر العالم بمعزوفاته الكروية التي كانت حينها ضربا من خيال.. وعروضا لم يسبق لها مثيل.
لكن خالد صالح حسين الذي نحتفل اليوم جميعا بمناسبة تكريمه وترشيحه للجائزة الدولية للرياضة والتنمية المستدامة, لم يشطح به الخيال الأوروبي, لكنه عاش الواقع وعايشه.. وحمل فاسه البسيط ومحراثه البدائي.. يقلب تربة الرياضة.. يجرفها من آثار التخلف والبدائية.. ويغرس بصبر عجيب ما تيسر له من ثمار وزهور وشتلات قد تزهر ذات يوم.. ومكث على هكذا منوال أكثر من ربع قرن عاشقا, عابدا, زاهدا, في ذلك المحراب الذي ولجه ذات يوم في عام 1986م.. ولعلها من حسنات حرب 1986م أن حظينا بخالد صالح حسين في مجالنا الرياضي.
اليوم خالد صالح حسين لم يعد ذلك الفلاح البسيط الذي حمل معه كل سجايا وصفات ريفنا اليمني (إخلاص في العمل, ومصداقية تعامل, وحب للآخرين أكثر من تمنيات النفس) كراس مال وحيد من قريته الضالعية مرددا.. عدن.. عدن.. يا ليت عدن مسير يوم.
اليوم ضالعي الأمس صار وحدة متكاملة من الخبرات والعلوم والعلاقات الإنسانية الراقية.. صار مدرسة ومعهدا رياضيا عالي الصفات بمفاهيم السلامة.. وشعارات الخطوة الأولى تعطيك صلابة الألف ميل, وقوانين لا تدع يداك عاطلة.. اعمل بها ما تستطيع وما يمكنك فعله.. وصار مرجعية لنا نحن زملاء المهنة الذين سبقناه في الشحاتة.. فسبقنا على أبواب النجاح والتألق والتكريم.
يا أبا يوهان.. أنت بسمة على شفاه محبة.. نسمة تصافح وجوه خصبة.. همسة تداعب مسامع رطبة.. ولمسة وريشة عاشق حسب نفسه بيكاسو زمانه.. فالجائزة لنا على صدرك.. وشهادة لك معلقة في غرف استقبالنا.
عيدروس عبد الرحمن
إذا دخلت المدينة... قل بسم الله 1763