في قلب ميدان التحرير كان لي حين من الزمن ثمة معلم وطني بارز اسمه "مارد الثورة".. المشاهد له يشعر بالفخر لما يرمز إليه من تحرر وانطلاق ودك لعروش الظلم، وفي ليلة ظلماء وعلى حين غرة تم سحب هذا المارد ليتحول إلى خردة وحطام لا معنى له سوى أن هذا الذي أشعل شرارة الثورة وبشر بميلاد زمن جديد لا يستحق اليوم الحياة.
من يومها تعطلت في المدارس تحية العلم وغابت في مناهج الطلاب التربية الوطنية وكل ما يؤكد على هوية الإنتماء الوطني.. تساءل الناس عن كل هذا التحول وما الذي جرى؟ دونما إجابة.. غير أنهم لاحظوا وبدقة أن ثمة ثورة تدخل المجهول، وأن المنجز السبتمبري العظيم هو الآن يتعرض على الأقل للابتزاز.. فالتمرد الحوثي يقيم الإمارة والمناطقية والطائفية وهي التي تقدم نفسها على أحد أهم الأهداف السبتمبرية إزالة الامتيازات والفوارق بين الطبقات..إلخ.
ما الذي جرى للثورة حتى آلت إلى وضع يبدو فيه الإنسان المؤمن بقيم الانتماء الوطني خجولاً والثورة أشبه بحالة إغترابية لا تدرك أجيال اليوم معناها ولا نكهتها؟؟.
تساؤلاً يلقيه ذلك النضالي الذي عرف معنى الانتصار مجسداً في أنبل وأسمى وأشرف معنى الثورة.. التحرر من الإستبداد والاستعمار ومخلفاتهما....إلخ.
هذا التحرر نراه اليوم وهو قابل للتعثر فثمة حراك يطل بقرنيه من خلال مستعمر بغيض، وتمرد رجعي يبرز من مخلفات الاستبداد والحكم الكهنوتي، وما لم يكن لرموز الثورة حضورها وحيويتها وقوتها وسطوتها، فإن الكثير من معاني النضال والتضحية ستبقى عناوين قابلة للنسيان.
كيف إذاً نحمي الثورة؟ كيف نعيد للمارد الذي دك عروش الكهنوت دلالته الوطنية؟ ذلك منوط بتحقيق أهداف الثورة اليمنية كاملة دونما مبالغة أو مغالطة في أن كل شيء على ما يرام، وثمة استلاب الإنسان من خلال استهداف ثورته ووحدته وإدخاله في أتون أزمات لا تعد ولا تحصى، وحينئذ ما الذي سيبقى من الثورة وقد اكتشفت معاني زيف وضرار ودخلت مرحلة وجع حقيقي لا ينبغي التهوين من شأنه ولا التهويل أيضاً، وما ينبغي فقط أن نسمي الأشياء بمسمياتها، أن نعيد للحياة معناها، وللثورة جلالها وبهائها، وللنشيد الأنيق رايته الخفاقة ولكن ليس قبل استحضار ذلك الذي دك عروش الظلم والكهنوت..
ليس قبل إعادة الاعتبار للثورة كتاريخ من خلال تدريسها للأجيال ومعرفة معنى الأهداف السبتمبرية الخالدة وجعلها في كراسة التلميذ حقيقة وإزالة كل شعارات الفرقة والإنقسام وبعثرة التاريخ وأوكار المؤامرة..
فهل نفهم معنى أن نكون كلنا ثورة في وجه الطغيان.
وهل نفهم معنى رمزية إعادة مارد الثورة إلى كرسي عرشه في ميدان التحرير.. ليظل معلماً يشعل في الأجيال ألق الثورة السبتمبرية وعظمة أهدافها في وجه الطغيان..
طباعة
المحرر السياسي
كلنا ثورة في وجه الطغيان 3135