عبدالله محمد الغريب
البعد التاريخي
المبحث الثالث: المانوية
ولد ماني في ولاية مسين ببابل عام 215 أو 216 بعد نزول المسيح عليه السلام، وقد ظهر في زمان «سابور بن ازدشير» وقتله بهرام بن هرمز بن سابور عام 279 لانه جنح نحو الزهد الذي لا يناسب دولة بهرام المحاربة، وينتسب ماني إلى اسرة ايرانية عريقة، فأمه من العائلة الاشكانية المالكة، وابوه فاتك الحكيم من اطراف العائلة الاشكانية.
بدأ ماني دعوته في الهند مما جعل بعض المؤرخين يعتقدون انه اخذ نظرية التناسخ من البوذية أو عن بعض المذاهب الهندية الاخرى، اخذ ماني عن الزردشتية قولهم بأن العالم مصنوع من اصلين: نور، وظلمة، لكنه اختلف معهم ومع المجوس في اعتقاده بأن النور والظلمة قديمان ازليان، بينما يعتقد المجوس بأن الظلام محدث وليس قديماً، واخذ ماني عن النصرانية عقيدة التثليث، فالإله عنده: مزيج من «العظيم الاول» و«الرجل القديم» و«أم الحياة» وفي النصوص التي حفظت عن المانوية عبارات مأخوذة عن الاناجيل المسيحية.
ويعتقد ماني بتناسخ الارواح، وان هذا التناسخ يقوم على الاجزاء النورانية من الانسان، وآمن بنبوتي عيسى عليه السلام وزردشت، ويؤمن ماني بأنه خاتم الانبياء، وقد أرسل لتبليغ كلام الله إلى الناس كافة.
واطلق الفرس على ماني ومن تبعه اسم «الزنادقة» وسبب هذه التسمية ان زردشت جاء الفرس بكتاب اسمه «البستاه» وعمل له تفسيراً اسماه «الزند» وجعل للتفسير شرحا اسماه «البازند»، وكان من اورد في شريعتهم شيئاً بخلاف المنزل الذي هو «البستاه» وعدل إلى التأويل الذي هو «الزند» قالوا: هذا زندي، فأضافوه إلى التأويل، وانه منحرف عن الظواهر من المنزل إلى تأويل هو بخلاف التنزيل، فلما جاءت العرب اخذت هذا المعنى من الفرس، وقالوا: زنديق، وعربوه، والثنوية هم الزنادقة، ولحق بهؤلاء سائر من اعتقد القدم، وابى حدوث العالم وعلى رأسهم «المانوية».
وللمانوية تنظيم دقيق، فهيكل الجماعة يقوم على خمس طبقات متسلسلة كابناء العلم، وابناء العقل، وابناء الفطنة، وآخر طبقة السماعون وهم سواد الناس، ولكل طبقة من هذه الطبقات شروط وتكاليف، ونجح ماني في ادخال اخوين لسابور في تنظيمه.
وبعد ان لقي ماني مصرعه على يد بهرام، اتخذ اتباعه عيداً لهم اسموه «بيما» ذكرى لمقتل نبيهم الشهيد، واستمرت الدعوة بشكل سري بعد اضطهاد الزردشتين لهم.
المبحث الرابع: المزدكية
مؤسسها مزدك بن بامداد ايام «قباذ» والد كسرى انوشروان في فارس عام 487، وبدأ دعوته كمؤمن بعقيدة ماني مع خلاف بسيط فهو يرى ان «النور» يفعل بالقصد والاختيار والظلمة تفعل على التخبط والاتفاق.
ومزدك رجل تنفيذ وليس رجل زهد كماني، ولهذا نهى الناس عن المخالفة والمباغضة والقتال، ولما كان القتال بسبب عدم المساواة نادى بتقسيم الارزاق بين الناس بالتساوي، كما نادى بالاباحية وجعل الناس شركاء فيهما كاشتراكهم في الماء والنار والكلأ.
وحض بذلك السفلة على العلية، وسهل السبيل للظلمة إلى الظلم، وللعهار إلى قضاء نهمتهم، وشمل الناس بلاء عظيم لم يكن لهم عهد بمثله، وصاروا لا يعرف الرجل منهم ولده، ولا المولود اباه، ولا يمك الرجل شيئاً مما يتسع به، وساعد المزدكيين على المضي بجرائمهم، وتحقيق الشيوعية التي يدعون إليها، استجابة قباذ لهم وتعاونه معهم، وكان اخوه «جاماسب» واحدا منهم، ولقد قوي امرهم حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وامواله.
وكان اتباع مزدك يزهدون في اكل لحم الحيوانات، واذا اضافوا انسانا لم يمنعوه من شيء يلتمسه كائناً ما كان، ولهم فلسفة خاصة في الاباحية فهم يرون ان العاديين من الناس لا يستطيعون التخلص من اللذات المادية إلا في اللحظة التي يستطيعون فيها اشباع هذه الحاجات بالاختيار.
وبعد ان كانت المزدكية مذهبا دينيا صارت مذهبا اجتماعياً، وقوانين ثورية ومبادئ شيوعية، وعمّ شرهم كل مكان حتى جاء كسرى الاول «انوشروان بن قباذ» فرد الاموال لأهلها، وجعل الاموال التي لا وارث لها رصيداً لإصلاح ما فسد.
وقال عنها احمد امين في كتابه «فجر الإسلام»:
«وبعد كسرى عاشت المزدكية فرقة سرية، عاشت على هذا النحو ايام الدولة الساسانية، ثم عادت إلى الظهور من جديد في بداية العصور الاسلامية»،.
ووصف بعض المؤرخين الثورة المزدكية فقالوا: «فاذا حجاب الحفاظ والادب قد ارتفع، وظهر قوم لا يتحلون بشرف الفن أو العمل، لا ضياع لهم موروثة، ولا حسب ولا نسب، ولا حرفة ولا صناعة، عاطلون، مستعدون للغمز والشر وبث الكذب والافتراء، بل هم من ذلك يحيون في رغد من العيش وسعة المال.
وهكذا عم التطاول كل مكان، واقتحم الثوار قصور الاشراف، ناهبين الاموال، مغتصبين الحرائر، وكانوا يملكون هنا وهناك اراضي تلفت لأن السادة الجدد لا يعرفون الزراعة.
نتائج البحث
من خلال استعراضنا لأهم اديان الفرس نستطيع ان نستخلص النتائج التالية:
1- عبد الفرس قوى الطبيعة والأجرام السماوية وآلهة تمثل قوى اخلاقية، أو آراء معنوية مجسمة، وكان الدين عندهم يتدخل في اقل امور الحياة اليومية، وكان على الفرد ان يصلي للشمس اربع مرات اثناء النهار، كما يصلي للقمر وللنار وللماء، ونار البيت لا يجوز ان يخبو لهيبها.
وهناك فرق بين المجوسية والثنوية، ومن الاديان التي تنتسب للمجوسية: الكيومرثية، والزروانية، والزردشتية، اما الاديان التي تنتسب إلى الثنوية فهي: المانوية، المزدكية، الديصانية، والفرق بينهما ان المجوسية قالت بقدم النور وحدوث الظلام في حين قالت الثنوية بأن النور والظلمة ازليان قديمان، فهما متساويان في القدم ومختلفان في الجوهر والطبع والفعل والمكان والاجناس والابدان والارواح.
وعلى كل حال فالمجوسية والوثنية اصبحت من تراث الفرس، والفرق بينهما بسيط، فجميع اتباع هذه الديانات عبدوا النور والظلمة والشمس والقمر، واعتقدوا بالحلول والتناسخ والاساطير والخرافات.
2- تأثرت ديانات الفرس باليهود والنصارى والبوذيين:
فاليهود حلوا بلاد فارس منذ ان سباهم «بختنصر» وازداد عددهم في عهد الاشكانيين، وقدم اليهود انفسهم منذ القرن الاول الميلادي واعترف بعض ملوك فارس بهم، وقد انشأوا مدرسة «سورا» المشهورة في اوائل القرن الثالث الميلادي، وصاهروا ملوك الفرس ومرازبهم، فامتزج الدم اليهودي بالفارسي فزوجة «بختنصر» كانت يهودية واسمها «دينارد» وكانت سبب رد بني اسرائيل إلى بيت المقدس.
وتأثرت ديانة الفرسة باليهودية، كما تأثرت بما عند اليهود من تنظيم وسرية وتقية، واستمر اثر اليهود في معتقدات الفرس في مختلف حقب التاريخ، وانتشرت النصرانية في كل مكان من ايران، وعندما انتهى الحكم إلى الاشكانيين كان للجالية النصرانية مكان في «الرها» وكان هناك اسقفيات كثيرة في المناطق الارمينية والكردية والاهواز، وحاولوا غير مرة ان يجمعوا الجماعات تحت ادارة مركز واحد في المدائن، غير انهم فشلوا لاسباب ذاتية داخلية، وعاش نصارى ايران في سلام وان كان الموقف قد تغير عندما اعتنق «قسطنطين» الديانة النصرانية، وقام نصارى ايران بالتآمر على سابور فاستشاط غضباً، وبدأ اضطهادهم منذ عام 339 وحتى هلاك سابور الثاني.<
يتبع ......................... العدد القادم