الشعب اليمني اليوم يوجّه جلّ اهتمامه نحو الضربات الأمريكية التي تستهدف مليشيات الحوثي الإرهابية. يرتفع صوتٌ موحّد، يمتد من المهرة حتى صعدة، يطالب قيادة الشرعية بتحمّل مسؤوليتها وتحريك الجيش نحو صنعاء لتحرير اليمن من الهيمنة الإيرانية.
وفي خضم هذا الزخم الشعبي المتزايد، تأتي نتائج مغامرة عيدروس الزبيدي من شمال شرق حضرموت، حيث تبرز تحركات قبلية مسلّحة، تعيد إلى الواجهة ملامح الصراع القديم-الجديد في حضرموت، لكن هذه المرة في سياق صراع نفوذ بين قائدي التحالف: المملكة العربية السعودية، وربيبتها الإمارات.
تفجّر الوضع في حضرموت، سياسيًا، يعني تعطيلًا مباشرًا لكل الجهود الرامية إلى استكمال معركة تحرير اليمن من قبضة مليشيات الحوثي. وما يدعو إلى القهر حقًا، هو أن حجم ونوع وكميات السلاح المخصّص للاقتتال الداخلي – والمقدَّم بسخاء من الدول المموّلة، السعودية والإمارات – يكفي، لو تم توجيه نصفه فقط نحو جبهات صنعاء، لإنهاء المشروع الإيراني وكنس المليشيات من اليمن حتى البحر.
فرقاء الشرعية يملكون من القوة العسكرية ما يكفي لخوض معركة التحرير، لكنهم مكبّلون، لا تنقصهم الإمكانيات، بل الإرادة، والمشكلة أن الطرفان الإقليميان اللذان يمتلكان القدرة على توحيد الصف اليمني، لا يبدو أن هذا الأمر من أولوياتهم.
تسارع الأحداث في حضرموت مثير للقلق، وتوقيتها يبعث على الريبة، ومن الصعب قراءتها بحسن نية. ففي كل منعطف سياسي أو عسكري يلوح فيه أمل بتحقيق اختراق حقيقي في معركة استعادة الدولة، تظهر أحداث جانبية مشبوهة، تُستخدم كطعنة في ظهر الشرعية، وتخدم، بوعي أو دون وعي، بقاء المليشيات في صنعاء.
حين تسأل الجميع: من هو العدو الأول الذي يُشكّل تهديدًا وجوديًا؟ يأتي الجواب: مليشيات الحوثي. لكنك حين تدعوهم لتوحيد الصف لمواجهته، يكون الرد في الغالب: القرار ليس بيدي. أما حين تتحدث عن قرار تفجير معركة مع شريكك في الشرعية، تجد أن هذا القرار – وحده – في متناول يد الجميع.
هذه المفارقات ليست مجرد عوائق، بل معضلات تقصم ظهر القضية. الأدهى أن الحشود والحشود المضادة التي تُدفع إلى حضرموت، تتزامن مع غياب تام لرئيس مجلس القيادة وأعضائه، فلا موقف، ولا حضور، ولا حتى إحساس بخطورة اللحظة.

وحين تتخاطب مع بعضهم، يأتيك الرد: "حضرموت خط أحمر للمملكة، ولن تسمح بتفجير الوضع". طيب، وأنتم كقادة دولة، ألا تمثّل لكم حضرموت أيضًا خطًا أحمر؟! يأتيك الجواب المعتاد: الطرف الآخر تحركه الإمارات، ولن توقفه إلا السعودية!
هكذا تُدار البلاد: دولة بلا قرار، وشرعية بلا هيبة، وسلطة لا تملك من أدوات الفعل شيئًا سوى التفرج.
وما يزيد الألم، أن تجد بعض أعضاء مجلس القيادة، برفقة وزراء، في جولة سياحية بين مولات إسطنبول، وآخرين يتناوبون على مولات الرياض، بينما الوطن يغرق في الأزمات. تسألهم عن مصير الأحداث، فيجيبونك: "الأشقاء طمأنونا وأكدوا استعدادهم..." تقاطعهم: "استعدادهم على ماذا؟" فيقولون: "على دعم المعركة، ولكن بشرط وحدة الصف".
تسأل: ومن من أعضاء المجلس يرفض وحدة الصف؟ يرد: "لا أحد يرفض، الجميع مع وحدة الصف، لكن فلان ضغطوا عليه ليرفض!" تسأل: "من ضغط عليه؟" يرد: "الأشقاء". تسأل: "كيف يشترط الأشقاء وحدة الصف، وهم من يعارضون وحدة الصف؟!" فيصرخ: "الأشقاء مع وحدة الصف!"
وهكذا نظل ندور في دائرة عبثية، وكأن الشرعية ناقة معصوبة عينها، تدور في معصرة التحالف، التي تعصر حاضر اليمن ومستقبله، ودماءه، وسيادته، وكرامته... ثم تُمنح، في النهاية، وطنًا مقصوفًا ومسحوقًا، تتقاسمه مع النفوذ الإيراني ليزداد تمددًا، ومصالح إقليمية تتغوّل على ما تبقى من الدولة.