أعادت حادثة وفاة الأسير "جمال أحمد راوح المحمودي" إلى السطح حقيقية الانتهاكات المهولة التي تمارس على المختطفين في سجون جماعة الحوثي المدرجة على قوائم الارهاب الدولية ، والتي مكث المحمودي في سجونها أربع سنوات ، ثم وافاه الأجل بعد 11 يوماً من خروجه من سجن الأمن المركزي بصنعاء التابع للقيادي الحوثي ورئيس ما يسمى بلجنة الاسرى لدى الجماعة "عبدالقادر المرتضى" ، والذي تم إدراجه في وقت سابق ضمن قوائم العقوبات الأمريكية كأحد المسؤولين الرئيسين عن جرائم التعذيب .
"البشري" أول الضحايا
لم يكن هذا السلوك الحوثي جديداً فما إن أنجزت الجماعة انقلابها على الدولة ونهبت وصادرت مؤسساتها إلا وأطلقت يد مجرميها على كل من يعترض على انقلابها المشؤوم، وكان أول الضحايا الناشط السياسي "صالح البشري" والذي تم اختطافه أثناء مشاركته في مسيرة احتجاجية في فبراير 2015م، وتم العثور عليه لاحقاً في حالة إغماء وعليه أثار التعذيب لينتهي الأمر بوفاته متأثراً بجراحه الناتجة عن التعذيب البشع، وشكلت الجريمة بداية لسلسة طويلة من ممارسات القتل تحت التعذيب في صيديانات الجماعة الانقلابية.
وطوال سنوات الانقلاب برزت حوادث وتقارير مروعة كلها تشير إلى استخدام جماعة الحوثي الانقلابية لأساليب تعذيب وحشية ضد المختطفين في سجونها تفضي إلى الوفاة أو الحاق عاهات مستديمة، ناهيك عن الآثار النفسية التي تصيب الضحايا في حال نجاتهم من الموت، وفي حالات عديدة تقوم الجماعة بالإفراج عمن تسوء حالتهم وهم في الرمق الأخير في محاولة مكشوفة للتنصل عن ممارستها لجريمة التعذيب والادعاء بوفاة المختطف خارج سجونها كما فعلت مع "البشري" و "المحمودي".
أرقام مهولة لضحايا تعذيب طويل الأمد
في وقت سابق أعلنت الحكومة الشرعية أن وزارة حقوق الإنسان رصدت أكثر من 350 جريمة قتل تحت التعذيب من إجمالي 1635 حالة تعرضت للتعذيب في معتقلات ميليشيا الحوثي الانقلابية، كما وثقت منظمات حقوقية متخصصة تعرض 32 مختطفاً في أماكن الاختطاف التي تديرها الجماعة للتصفية الجسدية، وانتحر آخرون هروباً من قسوة وبشاعة التعذيب الممارس ضدهم، كما سجلت 79 حالة وفاة للمختطفين بسبب الإهمال الطبي.
من هؤلاء "محمد علي النسيم" والذي توفى بعد خروحه من سجون الحوثيين بأيام قليلة، واشارت التقارير الطبية بأن الآثار والعلامات في جسده تؤكد تعرضه المتواصل للتعذيب على مدى خمس سنوات مما أدى إلى وفاته، وقالت منظمة "رصد" للحقوق والحريات أن "النسيم" تعرض لأشد أنواع التعذيب الوحشي منذ اختطافه في 25 يناير 2020م، من خلال الصعق الكهربائي والضرب والتعليق في غرف انفرادية لا تصلح للعيش الآدمي، ما أدى لتدهور حالته الصحية نتيجة التعذيب الذي توفي على إثره في 1فبراير 2025م.
العاملون في الشأن الإنساني لم يكونوا في مأمن من جرائم الجماعة الانقلابية فإضافة إلى اختطافهم ورميهم في سجونها توفى إثنين منهم في السجون وهم "هشام الحكيمي"، مدير قسم الأمن والسلامة في منظمة "إنقاذ الطفولة" الدولية، والذي توفى في 24 أكتوبر 2023، و"أحمد باعلوي"، ضابط عمليات تكنولوجيا المعلومات في برنامج الأغذية العالمي، وتوفى في 10 فبراير 2025 .
أداة للضغط وإرهاب للمجتمع
تسعى جماعة الحوثي الانقلابية من وراء كل هذه الممارسات الإجرامية إلى ممارسة ضغط سياسي وعسكري بطريقة تتنافى مع أبسط الحقوق الإنسانية للمختطفين لديها، كما تهدف إلى إرهاب المجتمع وبث الخوف وخاصة مع حالة الغليان الشعبي ضدها، وعدم القبول بمشروعها الانقلابي.
الأسوأ في الأمر ما تشير إليه كل التقارير والوقائع المتتالية بأن هذه الممارسات ليست مجرد انتهاكات متفرقة أو فردية، بل هي نظام ممنهج يُستخدم لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية تكشف عن الوجه الحقيقي لهذه الجماعة الإرهابية التي لا تتوانى عن ارتكاب أبشع الجرائم لتحقيق مصالحها رغم أن هذه المصالح لا تتقاطع بالمطلق مع مصالح اليمنيين.
ورغم الإدانات الدولية للتعذيب والعقوبات الامريكية على "المرتضى" كأحد أهم المجرمين ، إلا أن إنهاء هذا الفصل المظلم يتطلب تضافر الجهود الدولية والمحلية وانتقالها الى مستوى الفعل ، والكف عن مراضاة الجماعة الانقلابية ، والتحول إلى مرحلة تحقيق العدالة للضحايا ، وتحميل مرتكبي هذه الجرائم المسؤولية الجنائية ، ومعاقبتهم بما يتلائم مع أسس العدالة والحرية والكرامة الإنسانية .