الناس في مدينة عدن يتظاهرون لا بطراً ولا ترفاً، بل تحت وطأة المعيشة القاسية التي لم يروا مثلها حتى في أحداث الثالث عشر من يناير 1986، بسبب الانقطاع الطويل للتيار الكهرباء وتدني الخدمات بشكل مخيف وانهيار القوة الشرائية للريال مع تراجع قدرة الحكومة على صرف المرتبات، وهي محصلة طبيعية لمشروع الانفصال الذي يجري فرضه وتمويله بطريقة عبثية، وبما لا يسمح حتى لـ "الثائر" المزعوم بتأسيس نموذج يجبر الشعب على احترامه.
يخرج الناس مجبرين لإسماع صوتهم، فتقابلهم القوات الانفصال بالقمع والاعتقالات، في امتداد غاشم لمهمة القتل السياسي التي اضطلعت بها هذه القوات، في محاولة صريحة ومباشرة لضرب جوهر الانتماء الوطني لليمن داخل مجتمع العاصمة السياسية المؤقتة، التي تعج باليمنيين المنحدرين من مختلف مناطق الجمهورية اليمنية.
تعاني العاصمة السياسية المؤقتة عدن، التي ينعتها المجلس الانتقالي الجنوبي بـ" العاصمة عدن" لتحييد دورها الوطني الاستثنائي في هذه المرحلة من تاريخ بلدنا وشعبنا، من تركيبة سلطوية عبثية بامتياز، يهيمن عليها هذا المجلس المدعوم من أبوظبي بشكل انتقائي ونخبوي وأمني، متسلحاً بالإمكانيات العسكرية والأمنية، والإعلامية، بما يسمح له بامتلاك العصا الغليظة والصوت الأعلى، ويجسد بهما دوره كسجان ومنصة إعدام.
لكن لا يمكن للسطوة الأمنية والعصا الغليظة والصوت المرفوع أن تغطي على الفشل السياسي والاقتصادي الذي تعاني منه المناطق الواقعة تحت السطوة الأمنية والعسكرية للانتقالي، فثمة فشل مدروس يكرسه الداعم الإقليمي، بحيث يصبح الانفصال هدفاً جيوسياسي مضمراً لهذا الداعم، فعينه دائماً وأبداً على محافظة أرخبيل سقطرى، التي يعتقد أن بإمكانه إن يستحوذ تحت غطاء الصخب الانفصالي الوظيفي المرحلي المفتعل الذي يصدر عن المجلس الانتقالي، وقيادته المهاجرة الفاشلة التي حطت رحالها وطموحاتها في القصور الإماراتية المعدة لها في الإمارات، وتمارس دورها دون خجل من هذا المنفى الاختياري المريح.
لم يحدث في التاريخ أن اكتوى شعبٌ بتنكيل من يدعي أنه "الثائر" المفترض ضد "احتلال" مفترض، كما اكتوى الشعب في مناطق سيطرة الانتقالي الجنوبي. فالسلطة المركزية اليمنية التي ينظر إليها الانتقالي وحده على أنها "سلطة احتلال" لم يعد قادتها يمتلكون حتى ترف الإقامة في عاصمتهم السياسية المؤقتة عدن والأمن على أنفسهم فيها من غوغاء "الثائرين".
هذا يعني أن الانتقالي الجنوبي، وقبل أن يصل إلى هدف استعادة الدولة المزعومة، ماضِ في إفراغ قوته الغاشمة في الشعب المطالب بتحسين الظروف المميتة التي يعيشها، إذ يواصل ممارسة الاضطهاد والتنكيل والاعتقالات والقتل، والاستحواذ على سلطة الأمر الواقع، مستعيضاً بهذه القوة المفرطة عن تكتيك الاختباء خلف "المليونيات" المزيفة التي شغل الناس بها، خلال السنوات الماضية.
يهرب المجلس الانتقالي بشكل مفضوح من مسؤوليته عن تأمين الظروف المناسبة لعمل الحكومة المركزية، ويمعن في تعطيلها وفي فرض ظروف غير مواتية التي يستحيل معها الوصول إلى المستوى الذي يطمح إليه الناس، ولا يزال يستمرئ هذا الدور المعيب، إذ يحضر كقوة قمع ويغيب كسلطة رعاية قادرة على تحسين المعيشة البائسة لسكان المحافظات التي يهيمن عليها.
متزعماً مشروع الانفصال، لبلوغ هدف "دولة الجنوب العربي" ، والقوة المتنفذة