في اليوم العالمي للمعلمين، يُعتبر المعلمون رمزاً يُعبر عن وجه البلاد ويمثلون ثقافتها وهويتها. فهم يلعبون دورًا محوريًا في تشكيل الأجيال وصقل العقول، مما يسهم في بناء المجتمع وتطويره. تتجلى أهمية المعلمين في قدرتهم على نقل القيم والمبادئ الثقافية، وتعزيز الهوية الوطنية لدى الطلاب من خلال التعليم الشامل والمتميز.
لذا، يأتي هذا اليوم لتكريم دورهم الحيوي والتأكيد على دورهم كأعمدة رئيسية في نهضة البلاد وتقدمها.. وإذا كان هناك قولٌ مشهور يؤكد أن المعلم كاد أن يكون رسولًا، فما الذي يمكن أن يليه من تكريم وتقدير له؟
إن القامة الرفيعة التي يتحلى بها المعلم تُتيح له الفخر والاعتزاز بنفسه في يومه هذا. فهو يستحق أن يتفاخر بمكانته وأن يرفع من شأنه، ولا ينبغي له أن يخفض من طموحاته أبدًا. فالمعلم هو الأب للطلاب، وهو المربي الذي يسهر على تعليمهم وتطويرهم، كما أنه المدافع عنهم والحريص على تنمية عقولهم وتوجيهها نحو مستقبلٍ أفضل.
لا يمكننا إلا أن نعبر عن تقديرنا للمعلم كما قال الشاعر أحمد شوقي في البيت المعروف: قم للمعلم وفه التبجيل. كاد المعلم أن يكون رسولا. ففي مثل هذا اليوم، تحتفل الأمم جميعها بعيد مخصص لمعلميها.
إن المعلم هو الشخص الثاني في صفوف حاملي رسالة الأنبياء، وهو يحمل الرسالة الإنسانية بعدهم. لقد ساهم المعلم في تشكيل الأجيال وبناء الأمم، حيث كان حجر الزاوية في كل تقدم وتحضر.
إذا قمنا بالبحث في نظم الدول الأخرى، سنكتشف أن احترام المعلم ومكانته يحظيان بتقدير عالٍ ورائع، يشبه علو الجبال في شامختها. أي دولة تُظهر احترامًا للتعليم وتحترم المعلمين، تُعبر عن احترامها لحضارتها وإرثها وثقافتها ومجدها وإبداعها وانتمائها. بينما في الدول التي تفتقر إلى احترام المعلم، يجب أن ندرك أنها لا تعترف بتلك الحضارة ولا بتلك الهوية، لذا فإن تلك الأرض لا تقدر قيمة التعليم.
ماذا تعني كلمة المركز وما هو المقصود بها بعد ذلك؟
إن الدولة التي تحترم المعلمين هي دولة تعتز بحضارتها وتراثها وثقافتها ومجدها وإبداعها وهويتها. في الواقع، إذا لم تجد في أي دولة احترامًا للمعلم، فاعلم أنها دولة لا تقدّر تلك الحضارة ولا تعترف بتلك الهوية. من هنا، نستنتج أن الأرض التي لا تكرّم المعلم هي أرض ناقصة في تقديرها وإدراكها.
المعلم يمثل وجه الدولة، وهو المصدر الرئيسي لثقافتها وانتمائها. كما يعتبر المعلم فخرًا للأجيال القادمة. إذا كنا نقول اليوم إن شوق كاد المعلم أن يكون رسولا، فكيف يمكننا أن نغفل عن مكانته وما يرتبط بها من قيمة؟ إن هذا المركز الذي نتحدث عنه يتجاوز مجرد منصب أو وظيفة، إذ إنه يرمز إلى الدور العظيم الذي يلعبه المعلم في بناء المجتمع والنهوض به. لذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا سيكون المستقبل بعد الاعتراف بأهمية المعلم ومكانته الحقيقية في المجتمع؟
إنه الشخص الذي يدافع عن الأجيال ويعتني بعقولهم.
بالتأكيد، فهو الأب والمربي، وهو المدافع عن الأجيال والحافظ لعقولهم. فإذا كانت هناك جيوش تحمي البلدان، فإن المعلم هو الحارس الأمين للعقول والأجيال.
في هذا اليوم الذي يحتفي فيه العالم بالمعلم، نرى أنه من الضروري أن نكتب بأقلامنا جنبًا إلى جنب مع المعلمين في وطننا، الذين يواجهون واقعًا صعبًا في الوقت الراهن. فهم يعانون من حرمان مستمر من مستحقاتهم، وانقطاع رواتبهم لسنوات طويلة، دون أي شكل من أشكال الرعاية أو التكريم.
يجب أن يتمتع الأستاذ بقدر كافٍ من الاهتمام، سواء من الناحية المادية أو المعنوية. ينبغي أن يحصل على راتب يتناسب مع جهوده وتخصصه، يعينه على تلبية احتياجاته الشخصية وأسرته، بالإضافة إلى أن يُمكنه من توفير بعض المال للمستقبل. من غير المقبول أن يُترك الأستاذ ليعاني من الارتفاع المستمر في الأسعار في الأسواق، أو أن يُستغل من قبل التجار، فذلك أمر غير جائز سواء من الناحية الشرعية أو القانونية.
ويجب ان تتحمل الحكومة مسؤولية ضمان توفير رواتب مناسبة للمدرسين والموظفين والمدرسين الجامعيين، حتى يتسنى لهم العيش بكرامة هم وأسرهم في هذا المجتمع. يجب أن تكون هذه الرواتب كافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية وضمان مستوى معيشي لائق، مما يساهم في تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي لهم ولعائلاتهم.
المعلم هو رمز الوطن. إنه المصدر الذي نستقي منه مفهوم الوطن بكل أبعاده وأعمق دلالاته. فهو يتجاوز كونه مجرد مفهوم متفق عليه؛ فهو الذي يوجهنا ويوفر لنا الأدوات اللازمة لرسم خارطة مستقبلنا.
قال لي أحد المعلمين ولا زلت أحتفظ بكلماته: 'يا أحمد، الوطن مفهوم عميق وواسع، لكن البعض يختزله في مساحة ضيقة وجزيئات صغيرة، دون أن يتأمل في جوهره وأبعاده. لكن سيأتي يوم تشعرون فيه بعزة الوطن، خاصة عندما يتعرض هذا الوطن للتهديد من قبل من يسعون للنيل منه'.
المعلم هو من علّمنَا أن هذا المصطلح الكبير والعميق يعكس ثقافتنا وهويتنا. فهو يُعلمنا أن الوطن هو المكان الذي يجمعنا في أحضانه، ويعتبر البيت الكبير الذي تستقر فيه النفس وتلجأ إليه الروح. إنه الأرض الواسعة التي نعيش فيها ونموت وندفن فيها. حين نسافر، نشتاق إليه، وعندما نعود، نُقبل ترابه شوقاً وحباً. الوطن ليس مجرد كلمة تُقال بشكل عابر، بل هو مفهوم واسع يتسع للحياة بكل تفاصيلها. إنه البيوت والشوارع والمدارس والجامعات، كما أنه المساجد والكنائس والأشجار والورود، بالإضافة إلى الأهل والأصدقاء.
المعلم لا يغترب من أجل جمع المال لافتتاح مشروع خاص أو لبناء فيلا. فهذا المعلم هو الشخص الثاني الذي يربي أجيال هذا الوطن، وقد أوضح لنا أن الوطن أغلى من المال والأهل والولد. ومن المحتمل أن يكون من يعرف قيمة الوطن أكثر من غيره هو الشخص الذي ابتعد عنه وعانى من مرارة الفراق. فمَن يبتعد عن وطنه يدرك قيمته تمامًا، والإنسان بلا وطن يعيش في غربة مستمرة بلا نهاية.
إن المعلم والوطن يشكلان عنصرين متلازمين ومتوافقين بشكل عميق. فكلاهما يحملان معاني متشابهة ترمز إلى القيم والمبادئ الأساسية. يعد المعلم رمزًا للتعليم والإلهام، بينما الوطن يمثل الانتماء والهوية. إذًا، العلاقة بينهما تتجلى في كونهما يعملان معًا لبناء مجتمع قوي ومتعلم، حيث يسهم المعلم في تشكيل العقول ويعزز الوطنية لدى أبنائها. لذا، يمكن القول إن المعلم والوطن هما في قلب العملية التعليمية والاجتماعية، يتكاملان لتحقيق التنمية والتقدم للأجيال القادمة.