قلت في تناول سابق إن اليمن كانت ستكون أسعد وأفضل لو لم ترَ وجه الرسي، أو تطأها قدماه!
وعند ذكر الرسي في هذا الزمان يذهب التفكير في اتجاه حفيده الحوثي الذي تسبب في النكبة التي تعيشها اليمن الآن، بعد حوالي ألف ومأتي عام، من قدوم جده الرسي مخترع العقيدة العنصرية المضرجة بالدم والخراب والدمار.
وعندما نقول إن الرسي كان يجب أن لا يكون مرحباً به في اليمن، نقول ذلك ونحن نعرف طبيعة شعبنا الذي تقبل أجناساً كثيرة، من أمم عديدة، واندمجت في اليمن مع الزمن، ولا تعرف لها وطناً غير اليمن ولا أهلاً سوى في اليمن، ومنهم فرس وأتراك، وغير ذلك، وتحولوا مع الزمن إلى مواطنين صالحين مندمجين في المجتمع بشكل تام ولم يقولوا لليمنيين: نحن أسيادكم وخير منكم!
ومن الطبيعي والواجب على أهل اليمن، الرفض القاطع لمن يأتي إلى بلدهم ويقول : أنا خيرٌ منكم وقد اصطفاني الله لحكمكم أنا وذريتي حتى قيام الساعة، ونحن أفضل منكم وحقوقنا عليكم في المال الخمس، والتفرد في الحكم وحدنا، دون اعتراض، ومن يعارض فمصيره التشويه والمقت والتنكيل والحرب والنهب والسلب والسجن والتهجير.. حدث ذلك في الزمن الغابر، ويحدث الآن.
ولذلك كان الواجب أن يُرَدَّ الرسي على أعقابه، من حيث أتى، حال وصوله، وفوراً، وبكل الوسائل. وما كان لليمنيين الانتظار أكثر من ألف عام حتى يقوموا بثورة 26 سبتمبر 1962!
أما وقد عادت الإمامة الآن، والولاية والسيد العلم، فلا بد من إحياء سبتمبر ومبادئها وأهدافها وغاياتها حتى تنقلع الإمامة إلى الأبد. بل لا بد من سبتمبر جديد.
اتجه كثير من أهل الحجاز ومنهم أهل مكة القرشيون ومنهم الهاشميون، إلى بقاع كثيرة في العالم الإسلامي. وكان منهم نماذج تحتذى في الخير والصلاح، مثلهم مثل أهل اليمن الذين هاجروا في كل الجهات، وكانوا نماذج وقدوة في الأمانة والخير والصلاح، منذ ما قبل الإسلام وبعده، وكان منهم الأنصار الذين آووا النبي ونصروه.
ولم يُعرف عن الهاشميين الذين اتجهوا إلى الشام ومصر أو المغرب أو آسيا أو أفريقيا، أنهم كانوا سبباً في الفتن والإضطرابات، ومثلهم من اتجه إلى شرق اليمن وغربها وجنوبها ووسطها.
وانحصرت الكوارث والنكبات في من تبنى دعوى الإمامة، ونظرية الحق الإلهي، في اليمن، من خلال المذهب العنيف الذي اخترعه الرسي، في سبيل الإستعلاء والتسيد إلى الأبد!
ووصل الهاشميون إلى الأردن، من مكة منذ حوالي مائة عام، ويحظون في الأردن باحترام بالغ، وهم نموذج في التمدن، والثقافة، والأدب، والتواضع، وهم منفتحون، غير منعزلين، في العلاقات الإجتماعية، مثل النسب والمصاهرة، على كل الفئات، عرباً وغير عرب، خلافاً لانعزالية القوم، عندنا!
قد يساعد الإنتماء الحضري، ومظنة عدم التعصب والتحيز الجهوي، أو الطائفي، والقبلي، على أن يُجمِع الناس على أمير أو ملك من الهاشميين، في بلد مثل المغرب أو الأردن، لكن ذلك لا يتم على أساس دعاوى حق إلهي حصري، وإنما على أسس تراضي شعبي وقواعد دستورية وقانونية تحدد الحقوق والواجبات، وقد يكون مقدراً للأسرتين الهاشميتين في الأردن والمغرب أن تسبقا غيرهما في الريادة المؤسسية، والتحول إلى ملكيات دستورية بالتدريج، وهناك بوادر كثيرة على ذلك، وإن كانت ذلك يتطلب وقتاً.
بعد إعلان الجمهورية في اليمن، أكدت مبادئ الثورة ودستورها على التساوي في الحقوق والواجبات، وأكدنا مراراً أن حق أحفاد الإمام يحيى مثل غيرهم، وإن بإمكان أحدهم، باعتباره مواطناً، أن يكون رئيسا للجمهورية إذا ارتضاه الشعب.
الإمامة العنصرية هي خصمنا اللدود الوحيد، وهي العار الذي لا بد من محوه من واقع اليمن؛ وهي ما يَصِم تاريخنا بالعيب والخجل والعار لطبيعتها العنصرية ومضمونها الكهنوتي، ويتطلب الأمر إعتذاراً للشعب والتاريخ من تبنيها وممارستها، خاصة بعد النكبة التي تسببت فيها في هذا الزمن.
وعلى ذكر الإعتذار، أتذكر أنه عندما قدمت الحكومة إعتذاراً لصعدة والجنوب، في 2013، قلت في ذلك الإجتماع: ما كنت أظن أنه سيأتي اليوم الذي تعتذر فيه الحكومة لمتمردين أو انفصاليين، وواجب الحكومة السابقة وهذه الحكومة، والحكومات التي ستأتي، أن تواجه التمردات والحركات الإنفصالية، إن حدثت، سواء حدثت في صعدة أو البيضاء أو تهامة، أو عدن، أو غير ذلك. ولم يعلق أحد! وقام بعد ذلك إلى مكاني الوزير حمود عباد، وقال: موقف وطني تشكر عليه!
اظنه قال ذلك من قلبه حينذاك!
وإن تبدلت بعد ذلك الأمور والأحوال!
ولا بد أن ذلك الإعتذار جاء بحسن نية وقتذاك!
لكن الطريق إلى جهنم مفروش بحسن النوايا.
وأظن ذلك كان أول الوهن!