مثّلت ثورة 26 سبتمبر 1962 إحدى أبرز الوثبات التاريخية المجيدة التي صنعها اليمانيون طوال تاريخهم المديد؛ فالثورة السبتمبرية لم تكن حركة سياسية ضد نظام سياسي إمامي بغيض فحسب، بل كانت ثورة شعبية ضد أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية شديدة التأخُّر؛ وتطلّعات مُشرئبة نحو واقع جديد مُغاير يليق بإنسان هذه البلدة الطيبة.
مهما تهيأ للرائي بعض الاستكانة أو السكون لهذه المناسبة، إلا أنها تفوقت على غيرها من المناسبات إلى كونها مشروعاً وطنياً للقضاء على الكهنوت والظلم والقهر، وكانت المحور الذي بدأت من خلاله مسيرة إعادة توحيد شطري الوطن الواحد ودعم الثورة في الجنوب ضد المستعمر البريطاني.
وحولت الأحداث الجسام منذ نحو 9سنوات من انقلاب جماعة الحوثي السلالية الإرهابية على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014 ثورة 26سبتمبر إلى عقيدة وطنية، تتعاظم مكانتها يوم بعد آخر نتيجة الشعور بالمخاطر التي تهدد بقائها والمساعي الحثيثة لطمس ميراثها.
رسخت ثورة 26 سبتمبر وأهدافها في أذهان الغالبية وعقولهم منذ طفولتهم ودراستهم في الصفوف الأولى فضلاً عن كتب التاريخ وذاكرة الآباء والأجداد، خلود وأبدية هذه الثورة المجسدة لطموح الشعب وتطلعاته، رغم الصعوبات الموجعة التي تلقتها إلا أنه من المستحيل محوها من الذاكرة الشعبية التي تحرص على تخليدها واستحضار معانيها واستعراض أهميتها ومكانتها والتذكير بها، كي لا يعتريها النسيان وتتمكن منها المشاريع الطائفية.
اليوم تتعالى النزعة الجمهورية لدى اليمنيين كما لم يحدث من قبل، ويكبر سبتمبر وأسماء قادته لدى الروح اليمنية، معتبرين أنه يومهم الذي لن يتنازلوا عنه في ظل جائحة تجهيلية يقودها الأماميون الجدد لمحو تلك الروح، وتكريس ولاية السلالة الهاشمية، بجهود حثيثة وممنهجة لتغييب ومصادرة ثورة 26 سبتمبر سواء بالتطويع، أو بالترهيب؛ في مساعٍ منها لتطبيع المجتمع على واقع جديد من التسليم والانقياد والاحتفال بأعيادها ومناسباتها والاعتراف بها دون سواها، كأمر إلهي كما حدث مع أبناء عمومته الأئمة قبل 1962. يكشف لنا عن مدى حقدها على الشعب اليمني حينما سفكت الدماء وأزهقت الأرواح ودمرت البيوت وشردت الملايين من أبناء الوطن وانتقصت آدمية اليمنيين ومواطنتهم، واعتبرت أن الحكم لها وحقها بحكم سماوي، مدعية الفضيلة وهي بالأساس رمز الرذيلة مدعية سلوك النبوة وهي تتخلق بالأخلاق البهيمية المتوحشة.
اليوم يبتهج اليمنيون برغم أوجاعهم وآلامهم بذكرى ثورة 26 سبتمبر، حاملين إرثاً نضالياً وتاريخاً عريقاً يمتد جذوره إلى أكثر من ألف عام، مما جعلها أعظم حدث في تاريخ اليمنيين بعد دخولهم الإسلام، لما حملته من قيم إنسانية، ورياح الحرية التي هبّت على أرضهم وأعطت قُبلة الحياة للشعب اليمني وعصفت بعروش أئمة الضلال والإجرام وأعادت لليمنيين حقهم المستلب، وحررتهم من قبضة الظلم والاستبداد المتمثل في الحكم الإمامي المتخلف.
يحضر الحديث حول التضحيات الكبيرة التي بذلها اليمنيون، عندما أدركنا حجم ثورة ٢٦ سبتمبر وعظمتها وأدركنا حجم الظلم الذي رفعته عن كاهل شعب عانى الويلات من الإمامة القذرة، ولولا قذارة هذه الجماعة السلالية ما كنا أدركنا حجم التضحية التي قدمها الآباء من أجل الانعتاق من ظلم الكهنوت، بل إن هذه الجماعة الحوثية الإرهابية أطلت على شعبنا اليمني بثوب أكثر قبحا وأحقر سلوكا وأشد حقدًا على الماضي، الماضي اليمني الأصيل الذي تريد طمس تاريخه وعلى الحاضر والمستقبل وتعتبر أنه لا تاريخ إلا تاريخها ولا مجد لليمن إلا تاريخ جرائمها التي تعتبرها مجدًا.
أيها السلاليون الواهمون؛ اليمن مرت في لحظات ضعف في تاريخها ولكنها لا تموت وسرعان ما تنهض من بين الركام وتعود أقوى مما كانت، واليمنيون على موعد مع الثورة والانتفاضة، والوطن مستمر في إنجاب أبطال عظماء سيأخذون الراية ويدافعون عن ثورة ٢٦ سبتمبر المجيدة وسيُطَهّرُ الوطن من رجس السلاليين أصحاب شعار الموت فإن ضحكهم وتلذذهم بأشلاء الوطن وأبناءه لن يطول وسيبكو بعهدها كثيرا، وسيحيا الوطن من جديد رغم أنف كل المتآمرين.