تعتقد المملكة العربية السعودية أن ثمة فرصة سانحة لديها لتسوية الوضع في الجزء الجنوبي من اليمن، مرتكزة إلى التفاهمات غير المكتملة مع جماعة الحوثي في صنعاء، وإلى فراغ مخيف في المشهد السياسي اليمني، بعد أن وصلت الطبقة السياسية إلى مرحلة فقدان الخيارات إزاء التسارع اللافت في خطوات تقرير مصير اليمن، رغماً عن إرادة أبنائه وعبر الاستخدام المذل للقرار السيادي لإنفاذ خطوات الهدم الممنهجة للدولة اليمنية.
لا أحد يستطيع أن يجزم ما إذا كان ثمة مواجهة صامتة بين السعودية والإمارات على الساحة اليمنية، حيث تُظهر تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي ومناوراته السياسية رغبة ملحّة لأبو ظبي في تمكين شريكها للوصول إلى أهدافه في الاستحواذ على الجغرافيا الجنوبية والشرقية من اليمن، وخصوصاً محافظة حضرموت، وصولاً إلى فرض الانفصال كبند رئيس في اتفاق التسوية المنتظرة.
تعمَّدَ قادة المجلس الانتقالي عقد اجتماع لما تسمى بـالجمعية العمومية للمجلس في مدينة المكلّا في 21 أيار/ مايو، وهو التاريخ الذي أعلن فيه نائب رئيس الجمهورية اليمني الأسبق علي سالم البيض، الانفصال إبان حرب صيف العام 1994، بين القوات اليمنية التي تتشكل من مقاتلين من كل شمال اليمن وجنوبه، والقوات التي كانت تتبع الحزب الاشتراكي اليمني؛ الشريك الرئيس في إعادة تحقيق الوحدة، وهي المعركة التي حُسمت لصالح بقاء الوحدة، لكن بعد أن تركت ندوباً حقيقية في جسد الدولة اليمنية، نعاني من آثارها إلى اليوم.
المشهد في محافظة حضرموت ينبئ عن انقسام موجّهٍ إقليمياً على ما يبدو بين مشروع الدولة الجنوبية الذي يتزعمه المجلس الانتقالي، بهيمنة واضحة للمنطقة الجنوبية الغربية من اليمن على هذا المشروع سياسياً وعسكرياً، وبين مشروع حضرموت دولة مستقلة في حال الانفصال، وإقليم اتحادي ضمن دولة يمنية اتحادية.
وهناك ممثلون للمكونات الحضرمية استدعتهم السعودية، قبيل مجيء رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي إلى المكلّا رفقة قيادات المجلس، لتعقد تلك المكونات مشاورات عرفت بـمشاورات الرياض الحضرمية، التي انتهت بصورة غامضة دون أن تسفر عن نتائج كان من المقرر أن تُبلور موقفاً حضرمياً متماسكاً بشأن مستقبل المحافظة الأكبر من حيث المساحة على مستوى اليمن، والتي تتوفر على حقول نفط وموانئ تصدير للنفط، ومكون ديموغرافي كبير قياساً ببقية محافظات جنوب وشرق اليمن.
الانقسام الحضرمي تتعهده السعودية جيداً، متكئة إلى رصيد من التعامل الخاص مع أبناء حضرموت، وإلى وجود العشرات من رجال الأعمال السعوديين الكبار من أصول حضرمية، وكل ذلك تتوسله السعودية لبناء نفوذها الخاص في هذه المحافظة المترامية الأطراف، بما لا يتسع لمنافسة من طرف إقليمي آخر حتى لو كانت الإمارات.
وبينما تنتهي مشاورات الرياض الحضرمية إلى نتيجة غير معلومة، فإن غاية ما أرادته الرياض هي أنها باستدعائها ممثلي المكونات الحضرمية واستدعاء قيادة المجلس الانتقالي؛ قد تركت انطباعاً بأنها معنية بتسوية القضية الحضرمية، التي دفعت بها لتكون موازية لما تعرف بالقضية الجنوبية في الأزمة اليمنية. وهنا يبرز تساؤل مشروع عما إذا كانت السعودية تتجه بالفعل إلى فرض حضرموت كقضية منفصلة على أجندة التسوية النهائية في اليمن.
هذا التصرف أفقد قادة المجلس الانتقالي الإحساس بالإنجاز السياسي في حضرموت، وظهروا أمام اليمنيين أنهم يتصرفون في كل الأحوال تحت سقف منخفض، أو ضمن حدود معينة، وأن جُلّ المناورات السياسية التي قام بها المجلس الانتقالي لا تجري خارج إرادة المملكة ولا تمثل تحدياً مفروضاً من أبو ظبي، بقدر ما تمثل نقطة تقاطع واضحة لإرادة البلدين في استهداف اليمن ووحدته.
يتعالى الصوت الانفصالي وفي مقابله تتعالى نبرة الغيرة المصطنعة على وحدة البلاد من جانب جماعة الحوثي، التي كانت جزءا من تفاهم مبكر، مع قيادات حراكية تعمل تحت أنظار السعودية والإمارات وإيران، منذ ما قبل 2009.
لقد كانت العاصمة اللبنانية بيروت وبالذات الضاحية الجنوبية، المكان التي بُنيت فيها تلك التفاهمات ليبدأ الطرفان مهمة احتواء ربيع اليمن، حيث انخرطا في تحالفات وثيقة مع النظام السابق بقيادة علي عبد الله صالح الذي قدم أكبر دعم للحراك الجنوبي في عام 2011، ووضع ثمانية ألوية عسكرية مرابطة في صنعاء تحت تصرف الحوثيين.
يبدو مشروع الانفصال اليوم حرباً كاملة على الدولة اليمنية، ويستند في كل إمكانياته العسكرية والسياسية إلى دولتي التحالف، اللتين عمدتا إلى إنتاج قيادة جديدة للشرعية بعد نقل السلطة من الرئيس عبد ربه منصور هادي قبل سنة ونيف من اليوم، ليكون هذا المجلس حصان طروادة، لا لتمرير مخطط الانفصال فقط، بل لإضفاء الشرعية على قوى الأمر الواقع، من الحوثيين في صنعاء مروراً بجماعة صالح في الساحل الغربي لمحافظة تعز، وانتهاء بالمجلس الانتقالي في عدن.
بين الرياض وأبو ظبي يتوزع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي في زيارة بلا جدول أعمال، ولا يمتلك الشعب اليمني أية معلومة عن مغزاها، على الرغم من الصخب العالي للتحركات غير المشروعة للمجلس الانتقالي، والتهديدات المتواصلة من جانب الحوثيين لاستئناف الحرب العابرة للحدود، واستمرار الفشل الأمني والسياسي والاقتصادي الذي تعاني منه البلاد جراء استمرار الأزمة وبقاء شبح الحرب مخيماً على أكبر بلد من حيث عدد السكان في الجزيرة العربية.
*عربي 21