;
ياسين التميمي
ياسين التميمي

عن فبراير التي يحاكم أبطالها ويمجد أعداؤها؟ 900

2023-02-12 21:56:37

ماذا بقي من ثورة الحادي عشر من فبراير/ شباط 2011، سؤال من السذاجة بمكان طرحه، على الذات وعلى الآخرين في الذكرى الثانية عشرة لاندلاع هذه الثورة، غير أن أكثر العناوين التي برزت في هذه الذكرى، هي تلك التي وضعتْ الثورة أمام محكمة تضم مجموعة من الموتورين وأصحاب المصالح، والساقطين في قعر الحسابات الشخصية الساذجة، أو ربما كانوا في الأصل، وفي غمرة حماس الثائرين، نسخة منمقة من الهراوات البشرية التي أشهرها نظام صالح المخلوع في وجه هذه الثورة وأزهق بها دماء شباب الثورة وشاباتها.

وبينما كان فيديو متداول ليحيى محمد عبد الله صالح يصف ثوار فبراير بالصراصير، كان بعضٌ من رموز هذه الثورة يستمعون بصمت للمرافعات المنسقة التي هدفت إلى ترميم سمعة علي عبد الله صالح وغسله من الدماء التي أُريقت على مذبح الثورة، وعشرات آلاف القتلى من خيرة رجال اليمن وشبابها ومن الأطفال والنساء، ومن سيل الدماء الذي لا يزال يتدفق حتى اليوم بسبب الدور الإجرامي لعلي عبد الله صالح، ونهجه الثأري والانتقامي الذي دفعه إلى أن يسخر كل إمكانياته من أجل تسليم الجمهورية والدولة ومؤسساتها للجماعة الكهنوتية.

يحيى صالح لم يقل شيئاً لم يتألم لم يذرع دفعاً، في العلن، عندما قُتل عمه، ولم يكن يجرؤ ليقول شيئاً وقد وضع جزء كبيراً من الثروة التي استحوذ عليها من المال العام، في عهدة حزب الله بلبنان، وظل يناور إلى أن اضطر أخيرا إلى الانتقال إلى رومانيا، ومع ذلك صعد موقفه من ثورة فبراير، بعد أن تأكد أنه بات لديه قوة كافية في المخا للثأر من فبراير وليس ممن قتلوا عمه، ربما لأن عمه المقتول لم يكن ذي أهمية وقد فقط السلطة، بينما كان يعني له الكثير وهو على رأس نظام فاشل ومثير للشفقة.

لن ننسى ما قام به علي عبد الله صالح من تحريض لليمنيين على السلطة الانتقالية ودوره الحاسم في انقلاب 21 سبتمبر/ أيلول 2014، وكيف تعمد إظهار شماتته عبر ابتسامة مصطنعة تصدرت صفحته على الفيسبوك، غداة سقوط صنعاء.

shape3

كان يرتكب تلك الحماقة القاتلة على بعد ثلاثة سنوات فقط من سقوطه وحيداً مضرجاً بالدماء في مسقط رأسه بسنحان، برصاص حرسه الخاص من الذين دفع بهم إلى دورات التثقيف الطائفي للحوثيين في معركة قصيرة أثبتت كم بات ضئيلاً وعديم الأهمية ومخدوع بمؤيديه من أصحاب الكروش المنفوخة والمنازل الفارهة والمصالح الراسخة.

سقط علي عبد الله صالح في طريق الهروب الأخير من الموت الذي لاحقه، بينما كان قد أكد بثقة مفرطة في مقابلة تم بثها على حلقات في قناة العربية في مارس/ آذار نم عام 2011 أي قبل سبعة أشهر من توقيعه في الرياض على اتفاق التنازل عن السلطة، بأنه قادر على تأمين حمايته الشخصية، ومصدر ثقته أنه كان يتوقع الخطر دائماً من ثورة فبراير، التي منحته الأمان وما كان يستحقه مطلقاً.

حظي صالح بمدافعين مستميتين كُثُر في جلسة نقاش على مساحة في تويتر مساء أمي الموافق 11 فبراير/ شباط 2023، وبينما عبر عدد من المتحدثين الرائعين عن ثبات موقفهم وانحيازهم الأخلاقي للثورة، منيت هذه الثورة بعدد آخر من المدافعين الذين يعانون من اهتزاز في الضمير وفي الثقة بالله، وبالوطن وبالشعب اليمني، انشغلوا بالعبارات المنمقة التي ضنوا أنها قد تترك أثراً لدى أكثر من ألف ومائتي مستمع في المساحة، بما يكفي لتصنيفهم ككائنات قابلة للاستئناس، والتكيف مع المعايير الصارمة للاندماج في عالم المنافع المادية والحصول على مساحة أوسع من حرية السفر والانتقال بين العواصم، ومنها أن تكون بلا موقف وأن تكون لديك قابلية لمراجعة مواقفك التي ربما كنت معها مبدئاً زيادة عن اللازم في يوم من الأيام.

يمكن لنا أن نضمن اصطفافاً جمهوريا مؤثراً في مواجهة المشروع الإمامي والمشاريع الخارجية الخطيرة، لكن ذلك يقتضي أولاً احترام ثورة فبراير وتضحيات شبابها ومبادئها ومشروعها السياسي الوطني، والاعتراف بها كمحطة في مسار الثورة اليمنية، والوقوف بإجلال أمام تضحيات الجيش الوطني الذي أعاق مشروع الإمامة بتضحيات كبيرة، في وقت تتكدس الأسلحة وتنشء المعسكرات دفاعاً عن المشروع السياسي الذي أسقطته فبراير، ويراد لنا أن نقر له بالفضل لأنه قرر أخيراً أن يتبنى موقفاً عدائياً من الإماميين بعد أن وضع بين أيدهم إمكانيات الدولة اليمنية في لحظة انتقام غاشمة من الوطن والجمهورية والدولة والتاريخ.

وأكثر ما يهمني توضيحه هنا وهو على علاقة بما طرح في مساحة الأمس، ما يلي:

- أن المنافحين عن صالح، بالإضافة إلى خيمة العزاء الكبيرة التي نصبوها والابتهالات الباذخة التي سكبوها على ضريحه المجهول، أنهم ادعوا كذباً أن ثورة فبراير هي من أسقطت صعدة، ليغطوا على حقيقة أن صالح قبل تسليم السلطة كان قد وضع ثمان أولوية مدرعة بين يدي الحوثيين في هذه المحافظة.

- اختصار الثورة إلى حلقة من حلقات الصراع على السلطة بين مراكز قوى النظام، حتى بدت مواجهة شخصية بين صالح والفريق علي محسن، وبين صالح وبيت الأحمر، ومنهم من قال إن الساحات كان تمول من بيت الأحمر، والحقيقة أن الساحات مولها عشرات الجنود المجهولين من رجال الأعمال، وضبطت إيقاعها الأحزاب، ومنحها شباب الأحزاب على وجه التحديد الثبات والصمود في وجه قوات صالح ونظامه، دون أن ينتقص ذلك من الدور المشرف الذي قام به الشيخ صادق الأحمر وإخوانه في مواجهة علي عبد الله صالح وفي دعم ثورة فبراير.

- استهدف نائب الرئيس السابق الفريق علي محسن بشكل خاص من قبل المنافحين عن صالح، حتى أنهم قالوا إنه في الأصل كان الرجل الأول في النظام، وأن صالح كان يحتل "المركز الثاني" في نظامه قياساً بعلي محسن، وهم بذلك يتشاركون هذا الاستهداف للرجل مع الحوثيين ونظام صالح والأحزاب الموتورة التي لطالما رأت سقوط صنعاء بيد الحوثيين ثمناً محتملاً بل ومناسباً، في مقابل إزاحة علي محسن من مقر قيادة الفرقة الأولى مدرع.

- لقد شكل انضمام علي محسن إلى ساحة التغيير بصنعاء محصلة طبيعية، لموقف مبدئي تعزز عبر سنوات من عمله إلى جانب علي عبد الله صالح، وبقناعة راسخة بأن علي عبد الله صالح، تورط في تبني نهج سياسي سلطوي وأناني وطائش، كرس من خلاله الطائفية في البلاد، وأنتج معادلة عسكرية وسياسية تموضع الإماميون بثقة كبيرة في الطرف الآخر من هذه المعادلة وحيث كان يتواجد علي عبد الله صالح نفسه، إلى الحد أن دخول الحوثيين صنعاء كان مجرد دخول رمزي وسقوط المدينة كان أيضاً سقوطاً رمزياً لأنها في الواقع كانت محروسة بترسانة كبيرة من السلاح والقوات، حيدها صالح والرئيس الخائن عبد ربه منصور هادي ووزير دفاعه المرتزق والبائس.

- لقد واجه الفريق علي محسن مؤامرات عديدة لاغتياله من قبل صالح إحداها استهدفته وهو يقود المعارك في الجولة السادسة من حروب صعدة، والأخيرة استهدفته في مقر الفرقة بينما كان يستقبل وفداً وساطة من بلدته "سنحان"، وهذا الوفد كان في الواقع يغطي، دون أن يعلم، على عملية محكمة لاغتيال علي محسن وهو في منطقة مكشوفة بالفرقة.

- أدى الفريق علي محسن دوراً مهما في حماية الثورة، لم يركب موجتها، ولم يستغلها، بل اعتبرها ملاذا وطنياً مشرفاً في ختام عقود من الخدمة العامة، وكان يدرك أنه يودع الجاه والسلطة والنفوذ، ويتهيأ لأسوأ الاحتمالات، بينما كان بوسعه أن يحتفظ بكل ذلك إذا نأى بنفسه عن ثورة فبراير وأحزابها وشبابها.

- في هذه المساحة واصل البعض الادعاء بأن ثورة فبراير اتكأت على النوايا الطيبة لحشد من الشباب من ذوي النوايا الحسنة، الذين لم يكن لديهم مشروعاً، لهذا هزمت ثورتهم، وهذه مغالطة وظلم مضاعف للثورة، التي قامت على أكتاف شباب ورجال كانوا يحتكمون لمنظومة حزبية تأتلف ضمن ما كان يسمى "اللقاء المشترك".

وأود هنا أن أؤكد بثقة أن الشباب المستقل سياسياً كان عرضة للاستقطابات الخطيرة من قبل مقاولين أرسلتهم إيران وحزب الله، وبعضهم استقطبهم وسطاء السفارات، والمنظمات الأجنبية، وأعادوا توزيعهم على الهياكل الناشئة في مسار ثورة التغيير وعملية الانتقال السياسي وفي مؤتمر الحوار الوطني، لكن شباب الأحزاب وبالأخص شباب الإصلاح وجالها، هم الذين أعطوا الساحة زخمها وحافظوا على ثباتها وحصنوها بالتضحيات الجسام، من خيرة هؤلاء الشباب تقبلهم الله في الشهداء.

وهؤلاء الشباب هم الذين يواصلون القتال دفاعاً عن الجمهورية وعن مبادئ واستحقاقات ثورة فبراير، في وقت استمر البعض في المساحة ذاتها في إطلاق الدعوات إلى إعادة التفكير والقيام بمقاربة جديدة للتغيير، واقتراح أهمية إعادة اختراع العجلة، مما يعني ضمناً طي صفحة فبراير، والأخطر تجاهل التضحيات الجسيمة التي يقدمها ثوار فبراير ورجالها وأبطالها في جبهات القتال لدحر المشروع الإمامي المدعوم من إيران.

وأخيراً ثمة حاجة إلى التأكيد أن ثورة فبراير لم تسقط، بل أسقطت النظام، وانتجت سلطة انتقالية وأمنت مرجعياتها والإجماع الوطني حولها، وضمنت حزمة من القرارات الدولية التي سيجت النظام الانتقالي والعملية السياسية الديمقراطية المفضية إلى الاستقرار، وشكلت بمبادئها وأهدافها الإطار الأخلاقي الذي سيقاس به أي وضع جديد ناشئ عن هذه المواجهة بين الثورة وأعدائها، إلى الحد الذي سيسهل معه الحكم على المشاريع السياسية وخطورتها على اليمن ومستقبله.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد