حينما تتخذ الدولة قراراً عليها أن تمضي فيه دونما تراجع وأن تتخذ كافة التدابير لتنفيذه، وأن تعبر عن تصميمها وإرادتها كممثل للشعب دونما تراخٍ أو تقاعس أو تهاون بما يعطي انطباعاً مذلاً ومهيناً للدولة حين تعجز عن تنفيذ قرارها وتعبر عن سيادتها وتصميمها الفاعل في إنجاز مهم هي اتخذته.
والحال أن قرار تصنيف الحوثية مليشيا إرهابية قد جعل الدولة ترتقي درجة في سلم المسؤولية والتعبير بقوة وصرامة عن قيم ومبادئ هكذا كنا نراها.
ونرى أن هذا القرار الذي تأخر كثيراً هو في أحد أهم مرتكزاته قد وضع خارطة طريق لمواجهة قوى انقلابية ارتهنت للدولة الفارسية بما لها من أطماع، وخلقت الفوضى وعكرت صفو الحياة واختطفت دولة بكل مقدراتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، بما يؤكد فعلاً أننا أمام عمل إرهابي جدير بالشرعية أن تتخذ الموقف الحاسم وأن تكون في مستوى التحديات التي فرضتها هذه المليشيا الحوثية.
وحسنًا أنها قد اتخذت قراراً لا شك أنه سيكون موجعاً وضربة في الصميم فيما لو أن الدولة استتبعت هذا القرار المصنف الحوثية بالإرهاب واشتغلت على المستوى العربي والدولي في وضع هذه المليشيا في خانة الإرهابيين.
والمؤسف والمحزن أن هذا القرار جف حبره وربما وضع في ملفات تغطى بغبار النسيان، باعتبار أنها لم تتخذ أبسط الإجراءات المترتبة على هذا القرار سواء تحشيد جماهيري أو دولي يقف موقفاً قوياً وصلباً في التعامل مع الحوثية كإرهابيين، فهذا كفيل بتحقيق غايات ومقاصد مهمة وقوية ورافد كبير في صناعة النصر.
والمؤلم أن الشرعية وقفت عاجزة عن تفعيل هذا القرار، وكأنه مجرد دعاية وإعلان لا معنى له أو أنه وسيلة ضغط على الحوثية وزعيق يشبه النعيق لا معنى له، لأننا لم نجد ما بعد هذا القرار سوى الخنوع والتذلل للمليشيات والدعوة لها كي تحاور فيما هي تناور.
وإن المتابع ليسأل: ماذا يعني وجود هذا القرار والحوار مع الحوثية في آن واحد؟
لماذا الدولة تضع نفسها في مواقف مخزية لدرجة البكاء عليها من أنها تضيّع نفسها وتكشف عن هزيمتها مبكراً أمام مليشيا باتت تمتلك القوة والفاعلية والمبادرة في صناعة المواقف التي تريد؟.
ألم تنفّذ الحوثية الإرهابية كل اشتراطاتها في المقابل لم تقدم ربع تنازل للشرعية التي صارت بعجزها محل تندَّر؟
وإنه لمن المخجل وخارج عن الكِياسة وهزيمة للإرادة أن نجد قرار تصنيف المليشيا الحوثية «إرهابية» في الوقت الذي استخذت الشرعية للراحة والدعة عقب هذا القرار وربما نسيت هذا القرار، أو لربما أنه كان بفعل رغبات الرياض كتلويح بشيء لن يتم، وإلا ما معنى أن لا تتخذ أي إجراءات تنفيذية سياسية عبر السفارات والمنتديات والمحافل الدولية والمنظمات الحقوقية، كما لم تتخذ إجراءات اقتصادية في وضع هذه المليشيا على قائمة الإرهاب وحصارها في مواردها التجارية واكتنازها الأموال والعبث بمقدرات البلاد والعباد وسلبها حركة المال والأعمال بمراجعة حصيفة لاتغبط المواطن حقه في العيش بالداخل، غير أن ذلك لم يتم منه شيء. فالتدفق التجاري وتهريب السلاح وتضخم رساميل قادة المليشيا الحوثية في ازدياد فيما القرار إنها «إرهابية» مجرد مرسوم رئاسي عقيم لا معنى له سوى أنه زاد المواطن يأساً وزاد الشرعية بؤساً وهزيمة وعجزًا وعدم فاعلية كما أنها كشفت عن هزال قرارها وأنه دعاية وإعلان يكشف عن طرق سياسية مليئة بالغباء.
هكذا تقدم الشرعية نفسها في حالة ارتخاء وتهاون، تنجز قرارات تعود عليها بالخزي والعار. وتكشف عن سلطة فاشلة في تحقيق أبسط الأمور وأنها مجرد سلطة مملؤ عليها فاقدة القدر والسيادة والاستقلال، لذلك حليفها الإخفاق دائماً وزادت أنها تقول ولا تفعل، وهنا الفعلة الكبيرة أن تُقدِم الشرعية على قرار تعجز عن تفعيله وتجعله مجرد قرطاس وحبر تتركه لتذروه الرياح.
الشرعية بهذا المعنى انبطاحية ومصابة بالكساح وتقدم نفسها مطية ذلولاً. ونحن نربأ أن تمثل اليمن العريق شرعية خُوار ورغاء وثغاء وزبد بحر.
ولا نامت أعين المتخاذلين والمفاصل المرتعشة.. انتهى