;
فضل الكهالي
فضل الكهالي

لنا يمننا ولهم تصوراتهم 2106

2022-03-14 08:46:16

تقوم الحياة السّياسية اليمنية على الحلول المؤقتة ومحاولات التكيّف والتأقلم مع المُحتّم. وقد عاش اليمنيون رغم ذلك أجيالاً طويلة مُوحَّدين متصاهرين فيما بينهم؛ عشائرهم مختلطة ودماؤهم مُشترَكة وتاريخهم وطموحاتهم ومستقبلهم واحد، حتى ابتُلينا بهذه الفئة القميئة من البشر، التي جعلت اليمنيَ منبوذاً في كلّ مكان، ابتداء من الحيّ الذي يقطنه في حال كان من الأحرار الشّرفاء المعارض لها؛ مروراً بالمحافظات الواقعة تحت سيطرتها؛ وصولاً إلى بعض بلدان العالم. فقد تستمر التأثيرات الارتدادية للأزمة الحالية في الانتشار، كاشفةً بعضَ الأوجه الأشدّ إزعاجاً للمنطقة .

في حين تمثل جماعة الحوثي خروجاً عن التصنيف التقليدي للتيارات الدينية والسّياسية في آن، وتضيف اختلالا معياريا جديدا، مرتكزا على أحادية الفرد وانعدام الكفاءة السياسية. ويترتّب على هذا الأمر تغييب مفاهيم الديمقراطية والعمل المدني والتعاطي معها وفقاً للبعد المذهبي الفئوي، لا لأبجديات السياسة وآلياتها المنظمة. فوجود ‏جماعة الحوثي بمثابة شعارات رنّانة لا غير، فهي لا تمتلك القدرة على تحويل القناع الذي تضعه إلى وجه حقيقي والانخراط في عملية سياسية ترفضها شكلاً ومضمونا، لكون قيادتها مُصابةً بولع مرَضيّ اسمه الولاء الشخصي، وهذا الأمر أبعد عنها من عين الشّمس . ‏وبناء عليه، فإن الحلّ في الحسم، ولا شيء سواه .

لقد ولّدت إشادة قيادات الحوثي بالمُوالين لها من المُتشدّدين لدى هؤلاء نوعا من التقوقع والانفصام عما يدور حولهم. وبمرور الوقت، تحولت هذه الجوقة إلى " مافيا" سياسية واقتصادية ومجتمعية كلما ضاقت الدائرة توافرت لها الأرضية المناسبة لإساءة استعمال السلطة، التي يتكالب المجتمع الدولي لسحبها تدريجياً من الشّرعية وإغراق المنطقة في الفوضى. فقد ‏لعب التعتيم الإعلامي دوراً في حجب ما راكمت الجماعة من رصيد إجرامي، إلى درجة أن الثورة الصناعية لم تسهم في كشف صورتها الحقيقية فقط، بل أكدت -وبما لا يدع مجالاً للشك- أن هذا السيناريو، المُعدَّ سلفاً، يعدّ امتداداً لمسرحية إعادة توزيع الدخل في المنطقة ولكنْ بغطاء دولي وذرائع إقليمية .

وإذا لم يستطع التحالف الحفاظ على وحدة اليمن، بأقاليمه الستة كما نصت على ذلك مَخرَجات مؤتمر الحوار الوطني، فلا ضمان لأمن وأمان الخليج العربي الذي رعى المسيرة السياسة حينئذ واعتمدها في المبادرة الخليجية تحت راية واحدة وسياسة واحدة وقوة عسكرية خليجية مُوحَّدة.. ولن يصبح الأمر بالسّهولة التي هو عليها اليوم، لأن المجتمع الدولي منشغل بالصّراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا!

ومن الأفضل للتحالف التعاونُ مع الشرعية لإصلاح العطل في المُحرّك، بدل التجديف كيفما اتّفق ..

إن العلة في التناقضات التي أوجدها المجتمع الدولي بين الحكومات الخليجية، علاوة على ما يحدث في إطار حكومة الشّرعية، قد بدأت في الانتقال إلى الشعوب نفسها ! فالوقائع تشير إلى بعض الأساسيات التي يجب على دول المنطقة تخطّيها قبل الذهاب بعيداً، ألا وهي -أولاً- وحدة الإنسان من الداخل، وحدة الإنسان الخليجي نفسه، الذي يعُدّ اليمن امتداداً جغرافياً للجزيرة العربية، بعيداً عن الازدواجية والتشتت اللذين يعيش فيهما أبناء المنطقة اليوم. وبعد أن يحقق ذلك، عليه أن يمر إلى توحيد أجزاء الفكر والحس الوطني والعمل على تنميته وتطويره وإعادة ضبط تردّدات الاهتمام في عقله، عن طريق نزع اهتمامه بتوافه الأمور التي جُبل على الركض وراءها. ومن ثم زرع فكرة الوحدة في " تفكير" كل الدول الخليجية، بوصفها منظومة متكاملة ومن المُفترَض أن تتجاوز الفكرة لتبدأ في النمو، وذلك أول خطوة لكي تتحول من فكرة إلى فكر، ما سيُسهّل عليها عملية التحكّم في مسار الأحداث بحرفية .

لقد تم التلاعب بالشّرعية والتحالف من قِبَل المجتمع الدولي منذ بداية الحرب وفرض مسارات مُحدَّدة عليهما. وتعمّد فعل ذلك لأنه في حاجة إلى إبقاء دول الخليج الغنية في ظلّ التخبط الدولي القائم، وبالتالي الحاجة إلى الحفاظ على الهيكلة الحالية لكيان النّظُم فيه من أعلى إلى أسفل. وللتحرّر من القيود الدولية يجب على الشّرعية ودول الخليج أن تقاوم ذلك باختيار نفسيهما وفعل ما ترغبان أن تفعلاه دون التقيّد الحرفي بإملاءات المجتمع الدولي وأعرافه القائمة على أطماع آنية ستزول بزوال المؤثر، لا سيما في ظلّ الصراع الحالي .

يمكن للعالم اقتسام أي شيء معك إلا الثروة التي تنعم بها فإنه يريد مشاركتك إياها. وقد يبتزّك للحصول عليها، وهذا ما تقوم به بعض مراكز القوى مع الخليج عبر بوّابة اليمن. فهي قد تُعطي دول الخليج والشّرعية قرارا أممياً شكلياً. وفي سبيل ذلك قد تمنح جماعة الحوثي " الفُتات" من أجل ضمان تدفّق الثروة. وهذا ما يُفسّر منحها لجماعة الحوثيين الانقلابية حصانة تلو أخرى لضمان حياة أعضائها، التي تُشكّل مصدر خطر دائم على المنطقة، بينما لا تُعير اهتماما لحياة اليمنيين، رغم أن المقياس واحد، وتستلذ بهجمات الحوثيين على الجميع، لأنها تضمن تدفّق المال الخليجي إلى جيوب دول النفوذ .

قد تتطلب النهايات في العلاقات الدولية التصرّف بإحساس عميق لحظة الذروة التي تتطلبها الحرب وتحسّباً لنهايتها، وأظنّ أنها قد حانت فيما يخص الحرب الدائرة في اليمن. فالحرب التي تستمر طويلًا غالبا ما تنتهي نهاية سيئة، وهذا ما لم يعُد يُحتمل، في الوقت الرّاهن. والفشل الأعمق سيكون في تركه (المجتمع الدولي) راغبا في المزيد منك، وليس بالقليل والأقلّ. وهذه نقطة يجب على التحالف والشّرعية استيعابها جيداً. وبناءً عليه، فمن حقهما حسم الصّراع وإنهاء الأمر قبل الوقت الذي يخطط له ويرسمه بل ويتوقعه الطرف الآخر (مراكز القوى) وإيصال الرسالة المناسبة في اللحظة المناسبة. وأكاد أجزم بأن ذلك سيترك إحساسا إيجابيا، وسيظلّ الآخرون يفكرون فيهم حتى بعد مغادرتهم، لأنهم وضعوا حدّاً للعقبة التي تقف في طريقهم ذلك بقوة وبسلاسة أيضا .

من المُهمّ في ظلّ الظروف القاهرة إدراك كيف تصنع القرار الجيد ومتى؛ كيف تضع مخططا إستراتيجيا جيدا؛ وكيف تجعل موقفك هو الخيار الوحيد المطروح، لأنك أدرى بتشعّبات نفسك؛ كيف تقرأ الواقع بطريقتك، وليس بالطريقة التي يراد لك أن تقرأه بها؛ كيف تُميّز الغثّ من السّمين؛ متى تُنجز ومتى تتوقف؛ متى تحسم ومتى تُناور؛ كيف تضع المودة في موضعها والخبث في موضعه... والأهمّ من ذلك أن تعرف متى ومن أين تُدار العجلة، فالصّدق والأمانة عملتان نادرتان في محراب السّياسة العالمية، والاعتراف بالخطأ لم يكن يوما من أعراف السّياسة العالمية ولن يكونَ .

إن عملية التصنيف العالمية التي بدأت الآن سيكون لها تأثير ليس فقط على دول بعينها في الجزيرة العربية والخليج، بل على جميع دول المنطقة. ومن المتوقع أن تستنزف مليارات الدولارات من الأرصدة النقدية، ومن دون أية جلبة تذكر. وقد يترتب على ذلك سحب الكثير من الامتيازات عن بعض الدول في أي وقت، أياً بلغت درجة التذمّر أو مشاعر المرارة التي قد تُبديها من ذلك. وقد يتم تضييق نطاق الشّراكة على الجميع، وفي مناحي الحياة المختلفة. ومن المحتمل أن يصبح اليمن "بوابةَ الجحيم" للجزيرة والخليج، لهذا يجب التحرّك بفاعلية، حفاظاً على كرامة اليمن واليمنيين والمنطقة بأسرها .

نقلاً من موقع المصدر أونلاين

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد