أشد ما تحتاج إليه أي قيادة في لحظة الارتباك هي أن تتذكر أنها قيادة .. لا يجب عليها أن تنزلق إلى مرتبة أدنى من القيادة . معيار نجاحها هو وقف التشرذم الذي يصيب القوة الحاملة لمشروعها التي تقوده . والقيادة هي حاصل جمع صناع القرار . في اللحظات التي يبدأ التفكك يصيب هذه القوة ، لأي سبب كان ، لا بد للقيادة أن تقف فوق ربوة تطل منها على المشهد وتجعل منها مركز القيادة ، وأن لا تتوه في شغب الخلافات التي تسود الاجنحة المتربصة ببعضها ، وأن تتمتع بصوت يميزها عن ضجيج الصراع وتخبط وخيبات الباحثين عن بطولات في غير الامكنة التي تصنع فيها البطولات ، وأن تحتفظ بأدوات قيادة تضعها في الموقف الذي تستطيع معه أن تعيد تركيب القطع المفككة بدون خسائر كبيرة. في كثير من التجارب ، غالباً ما كانت القيادة تجر الى صراعات أجنحة الحكم بأساليب مختلفة ، منها إقناعها بأنها مستهدفة،فتصبح طرفاً في الصراع ، فيتعذر عليها أن تقود . وكانت النتيجة دائماً أنه عندما تنزلق القيادة الى مزالق صراع الأجنحة فإن الازمة تدخل فما يسمى الحلقة المفرغة ، أو ما يسميها الفيلسوف الهندي الشهير « ميردال» بالحلقة الشريرة vicious circle التي يتخبط الجميع داخلها ، ويواصلون الضجيج والتشرذم . لايمكن حل الأزمات من داخل الحلقة المفرغة ، وتصبح أي محاولة كمن يعيد الطباخة بنفس الزيت الذي استنفد قيمته الغذائية وتحول الى مادة سامة . لقد كان الحل دائماً هو كسر الحلقة المفرغة ، عند نقطة معينة بذاتها ، للبحث عن الحل خارج الحلقة وفي فضاء أوسع ، ومناخ أنظف ، وبعيدأ عن التآمر والسقوط . لكن ذلك لم يكن ممكنأ إلا بقيادة تعتلي المشهد وبأدوات تجعلها قادرة على تحديد النقطة التي يجب أن تكسر فيها الحلقة الشريرة والخروج الى الفضاء الأوسع . لنتعلم من تجاربنا الكارثية التي ظلينا نبحث فيها عن ضحايا لا عن قيادات ، وكانت النتيجة ما نحن فيه .
د.ياسين سعيد نعمان
القيادة ، والحلقة المفرغة 1376