- ولاشك أن دعوى خلو اليمن من الفيروس هو مانتمناه لكننا لأنأمنه حاليا ولانضمنه مستقبلا ، وبالتالي فلايجوز الركون إليه ولابناء الحكم عليه، لاسيما في ظل حكم الفوضى وغياب مؤسسات الدولة،وضعف إمكاناتها عن كشفه والتوقي منه ومعالجته مع ماتعانيه بلادنا من آثار الحرب والفوضى وتسييس الصحة والتكتم على المعلومة بحجة المحافظة على الاقتصاد وهيبة النظام أو المصلحة الخاصة.
- فبلاد على هذه الحال - سلمها الله - فإنه لو دخلها مصاب واحد اليوم بقصد التخريب أو بغيره، لكانت نتائجه كارثية مهولة في بضعة أيام قليلة.
2) ومثل هذه القضايا الكبيرة والمصيرية خاصة لايجوز الرجوع فيها إلى آحاد كبار أهل العلم فضلا عمن دونهم، فقديما قال السلف : (زلة العالِم زلة العالٌم)، بل يجب الرجوع في الفتوى فيها لأهل الاختصاص من الجهات الرسمية المسؤولة، والتي تعتمد على تقارير الجهات المختصة من المنظمات الصحية والتي انبنت عليها فتاوى المجامع الفقهية، وقد قال تعالى :(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) وهم أهل التخصص كلٌ في بابه ، ومعلوم أن رأي الجماعة والاختصاص أقرب إلى الحق والعصمة من غيرهم ، وقد كان الخليفة عمر رضي الله عنه يجمع أهل بدر لمسائل أقل منها خطورة؛ فكيف إذا كان في الاحتياط لحفظ آلاف النفوس المحرمة؟!
فالخطأ في إهراق ضرورة الدماءوالتي لأجلها شرع حفظ ضرورة الدين وسائر المصالح الكليةأعظم من الخطأ في التعطيل المؤقت ل(مكملات ضرورة حفظ الدين) من المساجد والجمع والجامعات, أو مصلحة حفظ المال بمنع التجمع في مزاولة الأعمال.
3) و لايخفى أن هذا الفيروس قد اكتسب صفة العالمية، فهو لايفرق بين الناس ولايعرف الحدود ، و لم يسلم من عظيم فتكه أكبر الدول وأكثرها اهتماما بالنظام الصحي والإمكانات الاقتصادية والعلمية ، وقد جاوزت إصابته المليون نسمة حتى الآن رغم التكتمات الرسمية، ومازال يفتك بآلاف الأرواح ويعطل مختلف مناحي الحياة ويهدر اقتصاد الدول الكبرى ويفرض حالة الطوارئ في كل مكان، كما تكمن خطورته في سرعة انتشاره وعدواه وفتكه وفي استمرار غموض حقيقته واحتمال تطوره وتحصينه لنفسه وعودته بعد ظن التخلص منه كما يحصل الآن في الصين، وفي انعدام توفر علاجه،ولو توفر لاحتاج إلى زمن وكلفة كبيرة.
4) وعليه فمن ظلم الإنسان لنفسه ومجتمعه التهاون إزاءه أوادعاء أنه مبالغ فيه أو وهم ومظنون أو أن بلدا ما كاليمن من انتشاره مأمون، فقد مات بسببه مئات الآلاف من المسلمين وخيار الصحابة بأوبئة كثيرة منها وباء الطاعون كما يقول الإخباريون والمؤرخون، وقرر الخليفة عمر تبعا للحديث الفرار منه؛ بحجة الفرار من قدر البلاء من الوباء إلى قدر طلب السلامة والشفاء.
-
5) ألا.. فلنتق الله في نفوس اليمنيين ولانضيف إلى مآسيهم الأليمة هذه المصيبة العظيمة بشقشقات جدلية، أو دعاوى إجماعات وهمية ثبت بطلانها ؛ فضلا عن كونها على أحسن أحوالها تجري مجرى (عدم العلم الذي لايستلزم العلم بالعدم).
- ولا يقال هنا بأنه (لايجوز ترك المتحقق المقطوع لأجل الموهوم والمظنون)؛ لأنه إذا قويت القرائن فإنه(يقدم الغالب على الأصل) كما في حديث تحريم الأكل من آنية المشركين لما يغلب عليها أنها (يؤكل فيها الخنزيز ويشرب فيها الخمر) فقدم هذا الغالب على أصل الطهارة، كما أن المظنون هنا قد يكون في الاعتماد على مكاتب الصحة في دولة اللادولة، كما وهو وليس هو كأي مظنون بعد إدراك الخطر الكبير لوباء الطاعون، كما أن ماهو اليوم مظنون يوشك في أي لحظة أن يقع ويكون ، وفي مثل هذا يقال ما تقرر في قواعد الفقه ب(إنزال المتوقع منزلة الواقع) و(ماقارب الشيء يعطى حكمه)، فالفقيه العاقل من يوجب الأخذ ب(قواعد الاحتياط) اذا قويت القرائن لاسيما في أصل حرمة الدماء واتقاء الوباء ، وما يفيده الاحتياط من معاني : الأخذ بالحزم وطلب السلامة واجتناب الشبهات والعمل بقاعدة سد الذرائع وتقديم الحاظر على المبيح، وتتأكد في حفظ النفوس والفروج واللحوم والأموال للمسلمين؛ إذ الأصل فيها التحريم كما يقول الفقهاء.
وقد قال الشاطبي :(والشريعة مبنية على الاحتياط والأخذ بالحزم والتحرز مما عسى أن يكون طريقا إلى مفسدة).
وقال الجويني:(الاحتياط ثمرة الخوف، وخوف الهلاك أصل التكاليف).
6) و إنها لدعوة ومناشدة للمجتمع الدولي ومؤسسات المجتمع المدني ودول التحالف المعنية بالشأن اليمني وبلاد المملكة المباركة وحكومة الشرعية خاصة وأهل الخير والإحسان عامة بدعم البلاد اليمنية المنكوبة والأطقم الطبية المجاهدة خاصة بما يلزم من وسائل صحية ومادية لمواجهة هذا الوباء الخطير، فللباذلين في مواجهته أنفسهم وأموالهم أجر كبير. والله المستعان وهو مولانا. نعم المولى ونعم النصير.
اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.