# روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه).. حسنه الترمذي والنووي وابن رجب وابن عبد البر وصححه الألباني رحمهم الله تعالى.
---------------------------------------------------
١) وهو حديث عظيم جليل، وحسبه جلالا أن عده العلماء من(أصول الدين) وجعله الإمام أبو داود السجستاني (ثلث الإسلام). قال أبو بكر بن داسة سمعت أبا داود يقول كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (500000) حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني كتاب " السنن "، جمعت فيه (4800) حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك (4) أحاديث:
1/حديث :" الأعمال بالنيات " 2/ " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " 3/ " لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه "4/ " الحلال بيّن.. "مقدمة سنن أبي داود 1/4.
عمدة الدين عندنا كلمات
أربع من كلام خير البرية
اتق الشبهات وازهد ودع ما
ليس يعنيك واعملن بنيْة
٢) ومما يفسر جلالة هذا الحديث؛ أن (ترك مالا يعنينا) فيه تهذيب وتزكية للنفس، وهو أصل في آداب التعامل مع الناس بما يحفظ لهم دينهم ودماءهم وأعراضهم وأموالهم وأوقاتهم وحقوقهم ومصالحهم ويحفظ السكينة العامة والسلم الاجتماعي والأمن الداخلي والروابط الاجتماعية؛ لارتباط كل ذلك بـ(جناية اللسان).
إن اللّسان صغيرٌ جرمهُ وله
جرمٌ كبيرٌ كما قد قيل في المثل.
٣) ويدخل في (ترك مالا يعنيه): ترك المحرمات والمكروهات والمشتبهات وما نهى الشرع عنه من الخوض في آفات اللغو وفضول الكلام والسفاسف وخصوصيات الناس وعيوبهم وما لا فائدة منه وما يترتب عليه ضرر أو يفضي إلى العداوة والشقاق والفتنة.
٤) كما يدخل فيها أيضا :ترك (الكلام في الشرع) بغير علم والتخصص، وهو أصل لكل شرك ومعصية ومنكر وبدعة (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).؛ قال الحافظ ابن حجر :(من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب) ،وقد امر تعالى بالرجوع إليهم في قوله :(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، ولذلك قيل: (أعط القوس باريها والخبز خبازه)، وقيل:(لكل مقام مقال ولكل زمان دولة ورجال) كما ذكر في الأمثال.
٥) ولاشك أن باب (الفتاوى السياسية) أعظم أثراً وخطراً من الفتاوى الفقهية، حيث ينبني عليها اتخاذ مواقف وجود وعدم لدولة كفتاوى التحالفات والانقلابات والثورات، كما تحتاج إلى كثير شجاعة وحيلة وعمق إحاطة بالواقع والتحديات وخبرة بالمفاوضات ووضع البدائل والخيارات وأسوأ الاحتمالات ومراعاة المتغيرات وتقديم الكثير من التنازلات وارتكاب المحظورات عند أعذار العجز والإكراه والضرورات.
- وعليه فإن من الجرأة والتعالم المنكر اشتغال العامة وغير المختصين في المجالس والمفسبكين في وسائل التواصل بالغوص في التحليل السياسي والاستراتيجي والعسكري اتباعا للأهواء والشائعات من غير أدنى قراءة علمية وخبرة واقعية.
٦) إضافة إلى ما يترتب عليه من تضييع الأوقات وإيغار الصدور وإثارة النزاعات والتفرق والعداوات، والخوض في صراعات جدلية عقيمة عديمة الجدوى فارغة المضمون؛ كونهم لن يغيروا بجدالهم الواقع ولن يستعيدوا التأريخ ولن يرسموا الاستراتيجيات والسياسات، فضلاً عما كانت مردوداتها سلبية وعكسية كالفتاوى المخالفة للشرع من أعمال العنف وإثارة العصبيات، وقي قواعد الأحكام لابن عبدالسلام :(كل عمل تخلف عن تحقيق مقصوده فهو باطل)، ومن الأصول العلمية قولهم: "كل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه"(وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) ،ومنه السؤال عن عدد ألواح ومسامير سفينة نوح، وعدد أصحاب الكهف وصفة كلبهم (فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا) والتشققات الفقهية المبنية على التوسع في التكلفات والافتراضات والسفسطة الجدلية المبثوثة في كتب علم الكلام والفلسفة. قال شيخ الإسلام عن المنطق اليوناني:( لا يحتاج إليه الذكي، ولا ينتفع به البليد) نعوذ بالله من علم لاينفع.
٧) وفي قيد (مالا يعنيه) ما يدل بالمفهوم أن اعتناء الإنسان بـ(ما يعنيه) لا يدخل في الذم والنهي، ومنه عبادات بذل العلم والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة بضوابط العلم والقدرة والرفق والحكمة.
٨) ولاشك فإن في ترك شغل البال والفكر والجهد والنفس والمال فيما (لا يعنينا) ثواب وإيمان وحكمة، وفي الصحيحين:" مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّه وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" .
الصمت أليق بالفتى
من منطق في غير حينه
وصدق الله تعالى:" لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ).
٨) ولايفوتني أن أنصح إخوتنا المغتربين والنازحين لبلاد المملكة وغيرها من بلاد المهجر بضرورة مراعاة الآداب والعادات والأعراف الكريمة المتبعة والقوانين السائدة، ولا يخفى تواتر أدلة اعتبار العرف، ومنها تقررت القاعدة الفقهية الكلية: (العادة محكمة)، وقولهم : (المعروف كالمشروط) و( الجهل بعادات الناس من خوارم المروءة)، وهو من محاسن الأخلاق وكسب القلوب وتقارب النفوس والالتزام بآداب الضيافة وشروط الإقامة (المسلمون على شروطهم) وتجنب للوقوع في طائلة العقوبات.
- ويتفرع عنها عدم المعاكسة أو الطعن في السياسات الخاصة بتلك البلدان وترك أمرها للجهات المختصة والمسؤولة وفقهم الله لما فيه صلاح وأمن بلادهم وبلاد المسلمين... آمين.
٩) وأخيرا.. فإن لزوم الصمت في موضعه ثواب وإيمان وحكمة،: " مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّه وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه.
الصمت أليق بالفتى
من منطق في غير حينه
وصدق الله تعالى:" لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ".
اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك.
13/7/1441
2020/8/13