أخطر من أهل الباطل الصرحاء من يلبسون الباطل ثوب الحق بكل مكر ودهاء، فيتبنون- زوراً- شعارات جذابة ومطالب خلابة تزينها ألسنة منافقة كذابة. وفي الحديث (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) وصححه الألباني. وكثيرا ما تحظى هذه الشعارات بمناصرة العامة من البلاطجة أو الغوغاء، فيضحون بأرواحهم لأجلها ويعادون المصلحين اغترارا بها. في حال اكتفاء سادتهم بالتنعم في الظل ومساج الفنادق واستلام مقابل الخيانة والتسلق إلى مآربهم بدمائهم في الدنيا وبتعريضهم للعذاب المقيم في الآخرة (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا)، (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا).
وكم من شعار (ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب): شعارات: الصرخة الحوثية والموالاة لأهل البيت أو تبني حقوق الشعوب والديمقراطية أو التحرر والحرية أو القومية والوطنية أو الوحدة والاستقلال والعدالة الاجتماعية أو شعارات غلاة السلفية والعقلانية ودعاة محاربة الفساد والتطرف والاستعمار والإرهاب....) لكنهم كانوا كما قيل: (كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد) و(تمسكنوا حتى تمكنوا). و ما أسرع ما يكذب واقعهم شعاراتهم لدى المتأملين ولو بعد حين (يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون)..
والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء.
وهي حيلة قديمة ومكر كبار ونفاق ظاهر ولكن للعقلاء فقط فقديماً حين رفعت الخوارج شعار :(لا حكم إلا لله) رد عليهم الخليفة علي بكلمته المشهورة (كلمة حق يراد بها باطل) وكما أحرق علي غلاة الرافضة الذين سجدوا له وادعوا له الإلوهية فقد قاتل الخوارج الذين حملوا السلاح والتكفير وخرجوا عن جماعة المسلمين ولم يغتر بظاهر شعاراتهم، أو كما قال الخليفة عمر:(لست بالخب (المخادع) ولا الخب يخدعني).
وكما كان المنافقون على عهده- صلى الله عليه وسلم- يتهربون عن واجب نصرة الدين بمثل أعذارهم التي كذبها القرآن (أئذن لي ولاتفتني) (إن بيوتنا عورة) (لاتنفروا في الحر) (لو نعلم قتالا لاتبعناكم).. فإن أتباعهم اليوم يلغ بعضهم في الدفاع عن أهل الباطل والمداهنة لهم وهو تميع في الولاء والبراء تحت ذريعة المداراة والمرونة السياسية والواقعية! ومثلهم من يتلاعب بالمجمع عليه من النصوص والأحكام فيحرم الحلال ويحلل الحرام لمبررات مضللة وأوهام.
ولعل أكثر من يجيد فن لبس الحق بالباطل برفع الشعارات الكاذبة هم الفاسدون من الساسة والحكام وسدنتهم من المأجورين من أدعياء العلم و أرباب الإعلام.
ولم تظهر -على مر التاريخ- فرقة كردة فعل لفرقة أخرى إلا وتبنت شعارات كثيراً ما ضاعت بعدها الحقوق وسالت الدماء لغلبة الشبهات والشهوات واختلاف الأهواء وتخلل من خلالها الأعداء وحورب بها المصلحون من الساسة والمفكرين والعلماء وكرست بها أدواء البغضاء والعصبيات والتفرق والإقصاء !!.
ألا فاحذروا من فتنة الإعلام المشبوه يا هؤلاء في تزييفه للحقائق وتلاعبه بعقول بعض الفضلاء فضلاً عن العامة الدهماء. ولا عذر لكم عند الله في إتباع من سكرت عقولهم وعادوا الشرع والحق والدين وماتت ضمائرهم وتلطخت أيديهم فانتهكوا دماء الأبرياء والصالحين. وصدق الله : (ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون).
ومن صور تلبيسهم: ما قصه تعالى علينا من بناء المنافقين للمسجد بحجة إقامة الصلاة وبعد الطريق ففضح الله سوء نيتهم (والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً.... وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون..لاتقم فيه أبدا).
ولا مخرج من هذه الفتنة إلا بلزوم غرز المصلحين المخلصين لمصالح أوطانهم وشعوبهم على أساس من إعلاء كلمة الحق والدين (ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين) وقال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
وصدق الله: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون).. اللهم طهر قلوبنا من النفاق وألسنتنا من الكذب وأعمالنا من الرياء وأنفسنا من الخيانة؛ فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.