يحدث اليوم امتزاج كبير بين ما هو معقول وما هو مستحيل نتيجة الخلل الذي أصاب منظومة القيم الاجتماعية والهوة الكبيرة التي حدثت بين النظام والمواطن. ولعل العودة للمبادئ الأساسية للمواطنة والمحافظة على الثوابت الوطنية وانتهاج المبادرة الذاتية التي تنطلق من حب الوطن والحرص على أن لا يكون من بيننا فتيل الفتنة التي تشتعل في هيثم وطن.
من هنا ولأن الإنسان سريع التأثير بمن حوله من الناس وشديد الانفعال والتعصب لما يمس كيانه من تهديدات، من هنا أصبح واجبا على كل أب وأم أن يستمسكا بالعروة الوسطى وأن يخرجا أبنائهما من خانة النتائج إلى خانة الأسباب، فقد أصبح من الضروري أن نتعلم فن قراءة بكل ما فيه من تغيرات قبل أن تفقد القدرة على ذلك حين تتشبع ضمائرنا باللفظ والخوض في صراع النوايا والتوقعات المسبقة.
أصبح من الضروري أن يتعلم أبناؤنا حقيقة الوضع الراهن وأن يكونوا طرفا محايدا من حيث الأسباب لكن ليس من حيث النتائج كما أسلفت.
لقد أفرطنا في النزول مبكرا إلى ساحة الانقسام وتجسيد أدوار الخصوم والأصدقاء ، خصوم قابلون للتكاثر وأصدقاء قابلون للانشطار، ومع هذا لم يكن هناك مفر من البحث عن رصيد كاف لكل منهما حتى نستطيع تحديد موقفنا أمام هذا أو ذاك.
لكن من المهم أن نتوقف عند هذا الحد من التربية المختلفة لجيل هو مستعد تماما للدفاع عن تلك القيم الهشة المنتقاة من تزاوج الآراء والمواقف السطحية.
إن الوقت قد لا يسعفنا للبدء من جديد في تغير المواقف والقناعات والاتجاهات التي يتبناها هذا الجيل ماضيا في صنع القرار القادم لكنه الوقت الملائم لإظهار النوايا الحسنة بعد هذه الغيمة السوداء التي وقفت على رصيف الرياح ولم تغادر سماءنا منذ سنوات. إنها ساعة الفصيل بين المعقول والمستحيل ، المعقول الذي نتناوله كحل رغم صعوبته والمستحيل الذي يفرض علينا كمصوغ ليسرق ما تبقى فينا من إيمان وأمل.
لا نريد أن نكون ذلك الفتيل أو تلك الكلمة الساحقة التي تكسر المجداف وتثقب السفينة وتقود الركاب إلى الهلاك. ليس لدينا المزيد من قوافل الألم نقدمها كقرابين متتابعة قبل أن تحمل نعوشنا أكتاف المكر والباطل. لا بد من التنازل لكن ليس لدرجة أن نشعر أننا مجرد مخلوقات عاجزة وكل ما يمكنها أن تفعله هز ذيولها كلما نهق الساسة!
ألطاف الأهدل
لسنا مخلوقات عاجزة: 1313