كنت ضمن فريق التدريب الذي استهدف الفئات الأشد فقراً في عدة مناطق ضمن محافظة تعز، وكان قد تبناه بنك الأمل بالشراكة مع اليونيسيف وصندوق الرعاية الاجتماعية والذي يقوم على مبدأ التعليم المالي والاجتماعي على أساس تعليم المفاهيم المالية لتلك الفئات (ادخار، تفاوض، إعداد الميزانية، الخدمات المصرفية.. الخ)..
وتوظيفها من أجل تحسين المستوى الاجتماعي لتلك الفئة. لكنني بعد أن أكملت التدريب في إحدى المناطق الريفية وجلست إلى الظل تحت إحدى الأشجار جال في ذهني سؤال: من الأحق بالادخار وتعديل النفقات وإعداد الميزانيات الفقراء أم الأغنياء؟! ومن أي امرأة أو طفل يمكن أن أطلب الادخار؟! هل من طفل ينفق بمنتهى الإسراف طفل يقضي يومه خلف أغنامه حافيا لا يلوي على شيء؟!.. امرأة تنفق مالها لأدوات الزينة والأثواب الفاخرة والعود المعتق الثمين الذي تمسح به أنبوب الشيشة لتزداد متعة الجلسات المترفة بالنميمة، أم امرأة تكاد أثوابها البالية المرقعة أن تكشف ما دونها من أجساد متهالكة لا يحمي عظمها من السقوط على الأرض إلا الجلد؟!...
من هم المعنيون بالتوفير وتقديم الدعم والمعونات والوقفات الإنسانية هل هم المتخمون أم الجياع؟!... رغم أن لهذا المشروع التدريبي أهدافا سامية لكن تلك المناطق تحديدا لا زالت تعيش في العصر الذي مرت فيه الحضارة على اليمن مرور الكرام!.. فهي مفتقرة للبنية التحتية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أطفالها يعانون من العمالة (عمالة الأطفال) فالكل يعمل مضطرا لإطعام جوفه، وهم لهذا يغادرون منازل ذويهم مبكرا إلى سوق القرية أو مركز المديرية للخدمة في المطاعم أو تغليف الخضار في صناديق كرتونية أو غيرها من الأعمال ذات الأجر الزهيد.
وحين سألتهم كلا على حده: ماذا تفضل من الطعام؟ كانت إجابة الغالبية العظمى منهم: الأرز واللحم وهو ما يعتبر حلما لا يفارقهم إذ أنهم معتمدون في طعامهم على خبز التنور الحطبي والماء الجاري من الوادي.
كيف أصبحت مفاهيمنا قاصرة إلى هذا الحد الذي نطالب فيه الفقراء الذين لا يملكون قوت يومهم بالادخار، ولا نخاطب الأغنياء الذين يلقون بأموالهم إلى مزبلة المتعة والبذخ؟! أعتقد أننا يجب أن نعيد صياغة مفاهيمنا لتحمل الدولة بأغنيائها مسؤولية التغيير.
ألطاف الأهدل
تحت خط الفقر 1284