قياس الرأي العام لأي ظاهرة لا يحدث بسهولة كما يعتقد البعض، فالأمر يحتاج لمنهجية واضحة وقدرة على الاستنباط وذكاء في فهم السلوكيات والمواقف والقصص المصورة التي يتداولها الناس عبر طرق شعبية كثيرة, فالأزمة الراهنة التي يعيشها الوطن اليوم خلقت أجواء ثقافية خاصة لا شك أنها ترتكز في مادتها على المخرجات السياسية في أغلب الأحيان, لكن تطعيمها برأي العامة من الناس سيجعلها قابلة للتوثيق في ذاكرة الحدث مما يمنحها تأشيرة عبور سريعة إلى عالم القياس والاستنباط.. ويُعد فن كتابة المقال إحدى الطرق السريعة لقياس الرأي العام عبر الصحف كوسيلة كلاسيكية راقية لاستعراض قضايا المجتمع وهمومه، ولهذا فإن كُتاب المقال هم ترمومتر المجتمعات ونبضها والأداة التعريفية المثالية لهمومها.

وحتى تنجح هذه الأداة في مهمتها يجب أن تتوفر المصداقية الكاملة والحيادية القوية لإظهار حقيقة تفاصيلها التي لا تخطئها بصيرة الكاتب الذي يجب أن يحللها ويحسن توصيفها وربطها بالواقع المعاش دون مزايدة أو نقصان.. ومع هذا فقد نلحظ اليوم أن من كتاب المقال من يجهل أهمية هذا فيظهر المقال تحريضياً أو متواطئاً أو خالياً من كل مضمونٍ حي يمكن أن يحدث أثراً إيجابياً عبر فكرة أو مبدأ أو رأي صائب.

كتابة المقال الصحفي لا يجب أن تبقى هواية كما هي لدى البعض اليوم، بل يجب أن تتحول إلى فن صحفي يستطيع الكاتب من خلاله تحديد الوقت الملائم الذي يرسل عبره رسالته إلى جمهور القرار، كما يستطيع من خلاله أيضاً تحديد مفردات المقال وتوجيهها إلى مختلف الرائح والفئات التي يمثلها الجمهور على اعتبار أن هذا الكاتب يتعامل فكرياً مع عقول متفاوتة الثقافة والقناعة بقضايا كثيرة شائكة يحتمل بعضها التدخل ولا يحتمل بعضها أي محاولة للتدخل تماماً كما يحدث في قضايانا السياسية اليوم والتي بدأت تتخذ طابع العقيدة السياسية أو العقيدة كما يريدها الساسة وأصحاب القرار، فالكتابة حول هذه القضية قد يؤدي إلى فتح أبواب مغلقة ربما أدت بدورها إلى زعزعة عقائد وقناعات لم يستطع أصحابها أن يجعلوها راسخة بما يكفي أو على الأقل غير مؤثرة على مسار حياة آخرين.. كتابة المقال الصحفي لا تتم إلا على أساس من الحيادية التي لا تهزها رياح الانتماء والتبعية.