يتغير العالم من حولنا كل لحظة، تتسارع وتيرة الإنجازات وتتغير معالم المدن من حولنا، يتغير الناس وتتغير مواقفهم وقناعاتهم أيضاً، والمهم أن العالم لا يبقى على حاله أبداً. هناك فعل وردة فعل مساوية أو معاكسة في الاتجاه، هناك قوى سلبية أو إيجابية قد تُحدث التوازن وقد تؤدي إلى انهياره.
فهل تحدث كل هذه الفوضى المنظمة والضجيج الإيجابي من حولنا دون أن يؤثر فينا؟ الإجابة "لا"؛ فنحن نتأثر بكل ما يحدث من حولنا سواءً شعرنا بهذا التأثير أم لا.. الإنسان كائن اجتماعي قادر على التأقلم مع الأحداث التي تنتج عن أفكاره أو أفكار آخرين سواه، فهذه الأفكار تبقى في إطار الاحتياج الإنساني وتعبِّر بالضرورة عن رغبته في الحياة بصورة أفضل؛ لكن في الوقت نفسه يعتبر الإنسان إسفنجة مرنة جداً قادرة على امتصاص مشاعر ومواقف كثيرة جداً, لكنه قد لا يستطيع في لحظة معينة تفريغها أو التخلص منها إلا اذا تعرض للضغط تماماً كما يحدث مع قطعة الإسفنج التي تمتص الماء بسهولة لكنها لا تستطيع التخلص منه إلا عند الضغط عليها بقوة.. ومن هنا فإن القاعدة الطبية النفسية القائلة بضرورة تعرُّض الإنسان لصدمات تساعده على إخراج المحتوى السلبي الذي تخفيه مشاعره وتيهيه لفهم الحياة بشكل أفضل هي قاعدة صحيحة تماماً بل وجوهرية من حيث توظيفها السلوكي وأثر ذلك على الأشخاص الذين يعانون العُزلة أو الكبت.
كل حركة من حولنا مهما كان حجمها لا بد أن تترك أثراً في أنفسنا لكننا لا نشعر بذلك الأثر إلا بعد أن تجتمع حوله مشاعر الخوف أو الحرمان أو الحزن أو الفرح؛ فمشاعرنا هي المصباح الذي يضئ ذلك الكهف المظلم في أعماقنا ولولا وجود تلك المشاعر لدينا ما استطعنا أن نقرأ تلك الآثار العميقة أو السطحية على جدران أنفسنا، فنحن نحزن ونفرح، نتألم ونضحك، نخاف ونطمئن، نعيش الكثير من هذه المشاعر دون أن نعي أو نفهم متى وكيف، ولأننا نعيش أيضاً مشاعر وهموم أقوى من سواها, فغالباً ما تختفي تلك المشاعر اللاواعية خلف مشاعرنا الواعية التي تتعملق يوماً بعد يوم أمام اهتمامنا بها على حساب سواها من مشاعر تتقزَّم يوماً بعد يوم حتى لو كانت سبباً في بقاء ضمائرنا على قيد الحياة.. ومن هنا يحتاج بعضنا لصدمة توقظ تلك المشاعر النائمة ليعيش..
ألطاف الأهدل
لا بد من صدمة ناعمة 1279