نزع فتيل الصراع الممنهج الذي يغذي الشحن السياسي والمذهبي على قاعدة التعصب الأعمى البغيض يتطلب تعاوناً أسمى بين عقلاء المجاميع والمكونات السياسية والاجتماعية وتضامناً ناجزاً بينهم قبل أن يهدم المعبد بمن فيه على أن نبدأ من المصالحة الوطنية الواسعة التي ستوفر فرصاً ذهبية لإصلاح ذات البين عن طريق تفعيل العفو والتسامح ونبذ كافة مسببات الكراهية والتباغض بطي عاقل لملفات الماضي السحيق المسكون بالقلق والتوتر والتصرفات الهوجاء والرعناء اللائي دفعن الأخ للإساءة إلى أخيه, وحملن المسلم لقتل المسلم.
ولكي لا نجانب عين الصواب يستدعي منا أن نبدأ أيضاً من بناء الإنسان وأن ندلف إلى التنمية الشاملة المستدامة من باب التنمية الواعية للإنسان انطلاقاً من أبرز تعريف وظيفي نص على أن التنمية هي: "تنمية الناس بالناس من أجل الناس, ليصبح الإنسان مجال التنمية ووسيلتها وغايتها, ليفرض على الأمة إعادة النظر في المناهج والمقررات الدراسية للتعليم العام والجامعي والفني والمهني والتي من المفترض أن تقوم أي المناهج والمقررات الدراسية بإخراج الشخصية السوية النافعة الصالحة والمصلحة في سبيل فرض نظام تعليمي وتربوي متطور حيث لا يمنع ذلك للإفادة من تجارب الدول التي في مصاف الدول المتقدمة, فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدناها فهو أحق الناس بها كما أخبر بذلك الصادق المصدوق النبي والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم الذي يحض المؤمن على الاستفادة من غيره بقوله: "خذوا الحكمة من أي وعاء صدرت".
ومن نافلة القول يتأكد أن تسليح المواطن بالعلم والمعرفة وبناء شخصيته السوية القادرة على العطاء يعد صمام أمان لعدم الانزلاق إلى بؤر الصراع المموج, وبالتالي إلى حماية الوطن من الانجرار إلى مزالق الاحتراب المذهبي والطائفي على الرغم من وجود التباينات السياسية والمذهبية والتي لا يكسوها التعصب السياسي والمذهبي اللذين يذيب جليدهما الوعي والثقافة الزاخرة.
إن التعصب المذهبي الأجوف داء عضال يخيم على العقول والأفئدة في ظل غياب الوعي والتثقيف المهدف, فهذه أوروبا تتعايش في ظل وجود ثلاثة مذاهب رئيسية بين المعتدلة والمتطرفة, كالكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس, حيث لم نسمح باندلاع حرب مذهبية أو قيام صراع لم يهدأ أواره بل على العكس تعيش أوروبا هدوءاً مذهبياً لقاء الوعي الجزيل الذي وصلت إليه المجاميع والمكونات السياسية والاجتماعية.
وتأسيساً على ما سبق ندرك بداهة أن التعصب المذهبي الأرعن عبارة عن قنبلة موقوتة وقابلة للانفجار بأي لحظة, فما يجري في القطر العراقي ليس عنا ببعيد حيث تقرع اليوم في اليمن ناقوس الخطر نظراً لهشاشة البناء الاجتماعي الذي يفتك به التعصب المذهبي المقيت الذي تشرعن أنيابه راسماً مشهداً سياسياً قاتماً, وملوحاً بتداعيات خطرة بإمكانها تقويض بنيان وأركان ما تبقى من دولة في ظل التماهي والاهتراء اللذين خلفتهما المواجهات الدامية بين جماعة "أنصار الله" الحوثية والقبائل اليمنية في العديد من المناطق على تخوم فيه تغييب دور المؤسسات الفاعلة في الدولة سيما بعد سقوط العاصمة صنعاء بين مخالب الحركة الحوثية المعروفة بجماعة "أنصار الله".
ويداهم قلبي التواق لعيش الهدوء السياسي والرخاء الاقتصادي إحساس قوي بأن ثمة مبشرات في قادم الأيام ستنأى بنا عن هدم المعبد بمن فيه في سبيل غلبة الحق وعودة المجاميع والمكونات السياسية الطائشة إلى رشدها ووعيها, فجميعنا يمانيون سوف نبدأ أيضاً برأب الصدع, وسندفع باتجاه المصالحة الوطنية الواسعة وسنطوي صفحات الماضي الأليم بتجليات العفو والتسامح وتأكيد الأخوة الإيمانية لنعي أنه إذا التقى مسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار, كما أخبرنا بذلك الرسول والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم, فلقد سبق السيف العذل إذ يجب أن تبقى بين المكونات المتصارعة شعرة معاوية فإذا شدها طرف أرخاها الطرف الآخر حفاظاً على الشعرة من القطع لتسكن المكونات إلى الحقائق ترفعاً عن الصغائر وإطراحاً للتنابز والفحش السياسي..
وإلى لقاء يتجدد بكم والله المستعان على ما يصفون.
عصام المطري
من هنا نبدأ..!! 1388