إن تغيير الحكومات وتنحية رموزها وأركانها لا يحقق المصالحة والعدالة، ولا يعيد البلد لحالته الطبيعية ولا ينهي الاستبداد والفساد تلقائياً؛ إذ لابد من التخطيط والعمل من أجل إعادة بناء الوطن اليمني على أسس جديدة تحقق العدالة والكرامة والديمقراطية والعيش الكريم ، وتأسس قواعد الدولة بمنع التسلط وتكرار الدكتاتورية وقمع الحريات وانتشار المليشيات المسلحة في المدن والمديريات ورد الحقوق لأصحابها وإقامة العدل وإنصاف المظلوم. من هنا يأتي دور اتفاقية السلم والشراكة لتكون ركيزة اجتماعية وسياسية وقانونية في دولة حديثة عادلة ديمقراطية ينعم أبناؤها بالسعادة والهناء قدر المستطاع ، ويتعاظم دور السلم والشراكة الوطنية عند البحث عن إزالة أسباب الانحدار الاجتماعي ومحو الأحقاد المتنامية جراء الأحداث الدامية والتدميرية التي عصفت باليمن، اتفاقية السلم والشراكة الوطنية مشروع تصحيحي وعمل وطني وقيمة أخلاقية وإنسانية وحقوقية، تقتضي تعرف الضحايا على الجناة الحقيقيين ومحاسبتهم وتعويض المتضررين من عامة اليمنيين، وهي ليست مجرد لقاءات إعلامية أو بيانات سياسية وأطروحات نظرية، أو خطابات فضائية أو كلام معسول ظاهره يخالف باطنه، بل هي قضية محورية لها ضوابطها وهي حاجة ضرورية وعنصر حيوي لإعادة الوئام الاجتماعي والسلم الأهلي، كما أنها معنية بكل أبناء الوطن مهما اختلفت انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو السياسية، وتشمل هياكلها كل التيارات السياسية والفكرية.
وإذا كانت بعض النخب الثقافية أو السياسية تعتقد بأنها غير معنية بالمصالحة والشراكة الوطنية فهي مخطئة لأنها في صلب الموضوع وجزء من الأزمة والعلاج.
إن فكرة الهيمنة أو السيطرة والانفراد في الحكم، أو السيطرة على مفاصل الدولة بقوة السلاح والتحكم بها بمليشيات مسلحة تعد عقبة رئيسة في سبيل تحقيق المصالحة والسلم والشراكة الوطنية العامة، ما يمنع أبناء الوطن من تخطي الأزمات وتجاوز العقبات التي سببها التحول والانتقال من عالم الاستبداد إلى عالم الحرية.
بل إن الرغبة في الاستحواذ و الامتلاك تخلق أجواء من عدم الثقة وتعيد أجواء الاحتقان والاستقطاب اللا وطني من جديد. وعليه كان لا بد من إقامة مجتمع متصالح وتأمين المشاركة الحقيقية دون إقصاء أو عزل أو تهميش واليقظة من تحويل الديمقراطية إلى استبدادية عددية, فالوطن لكل المواطنين- أسياد وأحرار- لهم نفس الواجبات ونفس الحقوق.
هذا هو المنطق الذي يحكم صلب المصالحة والشراكة الوطنية التي نريدها عامة لأنه يعيد الحقوق لأصحابها ويعلي من شأن الإنسان ويكرس الوطن كحاضن وجامع وحامٍ للجميع دون استثناء.
وعليه فالتغيير السياسي والإصلاح وحده لا يكفي للانتقال إلى حالة الاستقرار والأمن الاجتماعي؛ إذ تشكل المصالحة والشراكة الوطنية إجراءً ضرورياً وحاجة ملحة لإتمام الانتقال والتغيير .
المصالحة والسلم والشراكة الوطنية تتناقض مع مفهوم الاستحواذ المسلح وتتوافق مع روح العدالة الانتقالية وإنصاف المظلومين، هناك تعددية أصبحت للجميع في التبني لمشروع المصالحة وهذه ظاهرة صحية يراد لها التوظيف الصحيح وليس التسابق لوضع صوت بدون صورة وعناوين وهمية ترفع شعار المصالحة والشراكة الوطنية الخاصة التي لم تسمن ولا تغني من جوع على مدى الأيام الماضية دون الإقدام على إجراءات فعلية تعطي إشارات بداية انطلاق التصالح الحقيقي. والسبب الثاني للتسابق هو اختيار قبطان ناجح اتفق عليه الجميع ذي خبرة للإبحار في مركب السلامة والاستقرار..
عبد الوارث الراشدي
نريد اتفاق سلم وشراكة عامة!! 1190