لم يفارق حياتنا لحظة واحدة, نتخذه دائماً ذريعةً لتبرير حال أدائنا, إنه خيار "الضرورة" المولود التوأم للإنسان اليمني، دوافعه الأساسية غريزيتان: مواجهة غريزة الخوف ومواجهة غريزة الجوع.
إضافة إلى الدوافع الثانوية النابعة من "الأنا" والمحيط الخارجي.
المثقف المتميز والشاب الوسيم ذا المؤهل العالي يتزوج بتلك القروية الأمية كخيار الضرورة.. والطالبة الجامعية تتزوج ابن عمها الأمي تحت ضغط صلة القرابة خِيار الضرورة أيضاً.
نموذجان لخيار الضرورة في المجال الاجتماعي, فيهما من التناقض الكثير الذي يؤثر على مسار العلاقة العقدية والاجتماعية للزواج في المستوى(المعرفي ،التعليمي ،المهاري )لكلا الطرفين.
أحدهم كان يريد أن يلتحق بكلية الطب لكن ظروف قاهرة حالت دون ذلك، فالتحق بالتربية وأصبح أستاذاً لكنه غير مقتنعٍ بذلك؛ فتناثرت مشكلاته وهو على مشارف أزمة نفسية.. تميُّزه القدراتي والمهاري في وادٍ وتخصُّصه في وادٍ آخر وكلها "خيار الضرورة".
في المجال السياسي قبلنا بالتسوية السياسية (المبادرة الخليجية )كخيار الضرورة ومُنحت الحصانة للمخلوع صالح وغُضَّ الطرف عن ممارسته العمل السياسي "للضرورة".
تم استهداف المصادر الحيوية للدولة بضرب أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط من قبل جهات لها علاقة بالمخلوع صالح فتحفظت الحكومة عن كشف تلك الجهات وتقديمها للعدالة كخيار الضرورة للحفاظ على ما تبقَّى من دولة مواردها تهدر على مدار الساعة إما عبر فاسدين في سُلَّم الهرم الاداري والاستثماري في الدولة أو عبر مخرِّبين و"مافيا" الحروب والأزمات.
تم استهداف معاقل الدولة في صنعاء مهاجمة وزارة الدفاع أواخر ديسمبر من العام الماضي وسقط الضحايا من العسكريين والمرضى والأطباء في مستشفى العرضي ،وهي حادثة عدها كثير من المراقبين محاولة انقلاب.. لكنها مرَّت برداً وسلاماً دون تحقيق شفَّاف ومحاكمة عادلة للمتورطين أو كشف ذلك للرأي العام..ظل الخونة و المتآمرون على كراسيهم في وزارة الدفاع يواصلون المهمة نفسها لأن خيار لضرورة يقتضي بإنجاح مؤتمر الحوار الوطني .. و يا دار ما دخلك شر!!.
دخلوا مؤتمر الحوار الوطني للضرورة واتَّفقوا على خيار الاقاليم للضرورة ووقعوا على الوثيقة النهائية لمخرجاته للضرورة.
اتخذ الرئيس هادي "الجرعة " للضرورة لمواجهة انهيار الدولة.. لينكشف القناع بأنه قرار ضمن المؤامرة لعملية انقلاب مسلحة آجله دون أن يسقط النظام.
حاصرت جماعة الحوثيين المسلحة بالتعاون مع مسلحي علي عبدالله صالح صنعاء.. وللضرورة يشكل الرئيس هادي لجنة للتفاوض مع زعيم الحوثيين، يُفجِّرون الوضع عسكرياً شمال وجنوب صنعاء ،يهاجمون التلفزيون ومن ثمَّ يستولون عليه أو بالأحرى يتسلمونه بموجب أوامر وزير الدفاع.
للضرورة بن عمر يذهب الى السيد عبدالملك الحوثي في صعدة يبدأ مفاوضات من نقطة الصفر، مليشيات الحوثي تهاجم عسكرياً المواطنين في قرية "القابل" بهمدان ،وينفذون كمين مسلح لمدرعات عسكرية في شملان أودت بحياة قائد عسكري وعشرات الجنود ،ويوسعون رقعة معاركهم إلى شارع الثلاثين ،وهادي يُعد بخطة محكمة لدحر الحوثيين لكنها "للضرورة"!.
وللضرورة يمكث بن عمر في صعدة ثلاثة أيام في ضيافة السيد.. "بَس" للضرورة.. يخون وزير الدفاع والاركان واجبهم وشرفهم العسكري ويصدرون أوامر لكتيبة التلفزيون بالتسليم لمليشيات الحوثي.. فتُقصف المنطقة العسكرية السادسة (الفرقة الاولى المدرع سابقاً)من مواقع عطان ونُقم والصُّباحة العسكرية.. وتدخل مليشيات الحوثي ومسلحي علي عبدالله صالح لتنفيذ المهمة.. فتم تسليمهم مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بما فيها وزارة الدفاع وتلتها مؤسسات الدولة الأخرى ،طبعاً للضرورة!!
وللضرورة يعود بن عمر من صعدة الى صنعاء بعد توفير الوقت اللازم للحوثيين ،وللضرورة يوقعهم بكسر القاف بن عمر للتوقيع على اتفاق (التسليم والشراكة) غطاءً سياسي لإسقاط صنعاء بيد الحوثيين.. وللضرورة عملية انقلاب مسلحة دون أن يسقط النظام.
هذا خيار الضرورة لدى المجتمع اليمني على مستوى المجتمع والدولة.. فهل عرفتم كيف يتم استخدامه وتوظيفه وكيف يتم جرُّ الناس إليه؟
أحمد الضحياني
اليمنيون وخيار الضرورة..إنهاكٌ مُستمر 1192