يومياً يكتب الأدباء والمثقفون والكتاب والمحررون مئات بل آلاف المقالات التي تعبر بدورها عن آلاف من الأفكار ووجهات النظر ونكاد لا نفعل شيئاً سوى الثرثرة المكتوبة ببعض الأناقة وشيء من الاحترام.
نكتب لنبقى ضمن طابور الأصحاء من مرض الصمت عن الحق واللامبالاة بأوجاع الشعب, لكن هل تثمر هذه الثرثرة المقروءة عن شيء؟! هل نحقق من خلالها إنجازاً؟!. لا شك أنها قبل كل شيء ليست إلا براءة للذمة مما يحدث اليوم من فساد عريض على كافة المستويات والأصعدة. لكنها أيضاً قراءة لضمائر الناس الذين لا يستطيعون الإدلاء بأصواتهم في صناديق الرفض أو القبول أمام هذه الزعزعة المفرطة في وحدة الرأي والمشورة. نحن لا نكتب حين نكتب بأقلامنا عما يختلج في قلوبنا من أحاسيس مترفة ومشاعرة فياضة, إنما نكتب بقلوب هؤلاء ومشاعرهم المرهفة والتي لا تجد منفذاً للوصول إلى شاشة الرأي العام ذات التردد الصعب والتشويش الدائم. ويصل الأمر أحياناً إلى أن يكون الكاتب منا حبراً لهؤلاء الذين لا يجدون سبيلاً إلى قول الحقيقة ووصف تفاصيلها إظهاراً للحق وإزهاقاً للباطل.
و مما لا شك فيه أن عقلية الكاتب وحياديته تغربلان تلك الآراء والأفكار ووجهات النظر الخاصة بالأحداث المعاشة والمتكررة يوماً بعد يوم؛ إذ ليس من الإنصاف في شيء أن يسقط الكاتب قناعاته وتوجهاته الشخصية على ما يجمع من حقائق متعلقة بقضايا مجتمعة ذات الطابع الجماعي أو الفردي, لأن هذا سيخلق هيكلة متطرفة أو متعصبة داخل الكيان الثقافي الذي من المفترض أن يبقى نزيهاً من المغالاة والشطط.
الكاتب يلعب دور المِرآة بالنسبة لمجتمعه ولهذا فمن الطبيعي أن لا يكتب إلا ما ينضح به هذا الإناء البشري العملاق من ظواهر أو قضايا أو مشكلات.
وأما ما يتعلق بكواليس ذلك فإن جهات أخرى كثيرة هي المسئولة عن استعصاء كل تفاصيلها الدقيقة التي لا مناص من استعراضها نقدياً بأقلام الكتاب فيما بعد.
إن لقلم الكاتب عدسات قادرة على التقاط أكثر الصور تعقيداً في محيطه الاجتماعي, فالكاتب إنسان مرهف المشاعر, شديد التفاعل مع قضايا مجتمعه خاصة ما يتعلق منها بالجانب الإنساني والأخلاقي والقيمي أيضاً. يشعر الكاتب أن مسئولية إحياء القيم الراقية ونشرها ومتابعة آثارها على دعم العلاقات الإنسانية من أهم واجباته وأقدس أولوياته, فالكاتب رسول قلم ونبي كلمة.
لهذا نشعر بالأسف والحزن العميق حين نجد من بين حملة رسالة القلم من يدعو إلى رذيلة, أو يحاول طمس فضيلة, أو يعمل بطريقة أو بأخرى على تشويش المسار العام لمجتمعه أو ما نطلق عليه البنية الاجتماعية أو النسق المجتمعي.
نشعر وكأنه دخيل أو عميل أو مندس بين صفوف المتحررين من قيود التبعية والانجراف خلف المصلحة الخاصة.
يعيش الكاتب ليحيا ويبقى حتى بعد أن يُهال على قبره التراب وتولِّم على جثمانه دودة الأرض..
ألطاف الأهدل
ثرثرة قلم!! 1404