كنا نتحدث جميعاً قبل فترة وجيزة عن ضرورة تقديم تنازلات سياسية كثيرة في سبيل خدمة الوطن النأي به عن أي تطورات سلبية تهدد أمنه واستقراره وسيادته. لكن لا يجب أن يصل حد هذه التنازلات إلى تحقيق مطالب فئات معينة على حساب شعب بأكمله، خاصة إذا علمنا أن لتكل الفئات أجندات متسلسلة تسعى من خلالها إلى إحكام قبضتها على الوضع الراهن بكل متغيراته, فالعودة عن قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية أو تطبيق مخرجات الحوار الوطني أو سواها من المطالب التي يستعرضها الحوثي على أساس مصلحة الشعب، كلها مطالب مركبة ومغلفة بالبهتان، لأن الحوثي يقول ما لا يفعل.. والدليل أن ما بدر منه من اعتداءٍ وتنكيل ثم حصار لصنعاء العاصمة... كل هذا لم يكن من مخرجات الحوار التي يتشدق بها هذا الأخير ويرى فيها العصا التي يمكن أن تؤدب الحكومة والشعب أيضاً.
لكن يبدو أيضا أننا وفي مقابل هذه الهمجية المنظمة التي تشبه الفوضى الخلاقة التي يخترعها السياسيون لتبرير ردود أفعال شعوبهم، يبدو أننا أمام ذلك نفتقر إلى حكومة صارمة لا تعرف التسامح مع مَن يزرع الشوك ويسقيه بالدم. وصحيح أن الرئيس هادي يحمل من اسمه الكثير ولا يريد للشعب ان ينجر إلى حروب أهلية غير متوازنة وغير منتهية، إلا أن هذا الهدوء قد لا يجدي مع من هو مثل عبد الملك الحوثي الذي يحمل أيضاً من اسم الكثير، فيدو أن سعيه لإحياء عروق الملكية وحبه للجلوس على العرش أنساه كل ما دار تحت قبة الحوار الوطني.
لقد كان الحوار فرصة وهدنة وتنازل من أجل لم الشمل وجمع الشتات, كان رسالة واضحة من المخلصين للوطن إلى كل من زيَّنت له نفسه خيانة الوطن تحت مسميات سياسية وديمقراطية وأيدلوجية ما أنزل الله بها من سلطان. نثمن حجم التنازلات التي يقدمها الأخ رئيس الجمهورية للحيلولة دون الانزلاق إلى مستنقع العنف والفوضى، لكننا في الوقت نفسه نرفض أن تُعطَى للحوثيين فرصاً تاريخية كانت بالنسبة له مجرد حلم بعيد المنال.
إن مَن يلوث يديه بقتل الأبرياء ويُهجِّرهم من مدنهم وقراهم ويهدم منازلهم ويحرق ممتلكاتهم، بل ويستخف بعقيدتهم.. من يفعل كل هذا لا يستحق أن يكون حرفاً في كتاب الوطن الذي تخلد أسطره كل مخلص وصادق ومتفانٍ وصاحب رسالة سلام وأمن وطمأنينة... ومع هذا فإننا نجنح للسلم وندعو إلى حقن الدماء وتوحيد الصف وعدم الخروج عن جادة الصواب حفاظاً على استقرار الوطن وسلامة منجزاته من الضباع في عاصفة سياسية مفتعلة ليس لها أي هدف سوا احتكار السلطة واستخدامها مثل مبيد حشري لقتل الشعب.. والشعب فقط .. فمثل هؤلاء لا يفهمون أن السلطة حكمة وتوازن وقدرة على الإدارة وبراعة في إنجاز المهام.
ألطاف الأهدل
السلطة ليست مبيداً حشرياً 1155