ما عاد الموت ذلك الغائب المنتظر الذي يخشاه الناس على اختلاف درجات اليقين به لديهم. فقد أصبح الموت مثل سلعة تجارية يمكن أن يجدها المرء في كل مكان وبأبخس ثمن؛ في الشوارع وعلى المقاهي وداخل باصات النقل الجماعي وفي أنفاق مجهولة تحت الأرض حفرتها مخالب السلطة لتبقى في أوكارها آمنة.
الزمن هو الزمن والأيام هي الأيام، لا شيء يختلف عن الأمس إلا هذا إنسان الذي ترك أهم ما يمكن أن يحمله المرء على عاتقه وفي قلبه وبين جوانحه؛ الإيمان الذي يرسخ فينا مبادئ الإنسانية الحقة ويحمينا من إنفاق أرواحنا في مهاوي الردى وبراثن اليأس والإحباط.
الموت أصبح وجهة وغاية ووسيلة وأداة وأسلوب ضغط.. الموت أصبح فلسفة لدى من لا يجيد التحدث إلا بالعنف والقوة والاستفزاز؛ بانتشار جرائم القتل المروعة في كل مكان خلال الآونة الأخيرة وفق آلية جديدة وغاية في البشاعة ويتضح بجلاء أن البعض يفتقد تماماً لمبادئ إنسانية ودينية أساسية لا يمكن لأي مجتمع أن يقوم في غيابها.
"الإقصاء، التلويح باستنفار طاقة التعبئة, التصفية على خلفيات هامشية".. كلها أصبحت برامج إرهابية متكاملة يفتقد أصحابها لحجة القول والفعل لأن أعمالهم سائرة على خطى الشيطان وبئس القرين.
الموت أصبح لغة همجية يتحدث بها بشر من أبناء جلدتنا وكأنهم ليسوا منا, فهم لا يفهمون لغة السلام والخير والعدل التي نحاول تهجئتها لهم عبر تنازلات كبيرة وتضحيات جسيمة يقدمها كبار وصغار من أبناء هذا الوطن, لكنها لم تلامس عقول هؤلاء أو قلوبهم، فهم في دائرة مغلقة من دوائر التسييس اللا منطقي و الذي أعدت لائحته بامتياز ثلة من أعداء الدين والإنسانية معاً.
أصبح للموت دستور مستقل به، فورمه خاصة، منهجية مفصلة.. أصبح الموت مؤتمراً لتصفية الحسابات يجلس على مقاعده الأبرياء فقط..
كأس الموت أضحت بئراً بل نهراً جارياً يغترف منه الناس كلٌ بحسب لونه وجنسه وفصيلته وقبل هذا حزبه وجماعته. كان يقال فيما مضى" تعددت الأسباب والموت واحد"، واليوم يتوحد السبب وتتعدد صور الموت. فماذا يمكن أن نقول سوى: أننا على ذات هذا النعش محمولون.. إنّا لله وإنّا إليه راجعون..
ألطاف الأهدل
فلسفة الموت..! 1556