شوط كبير قطعته البشرية في سبيل تحقيق الحلم العظيم الذي راودها طويلاً وهي تبحث عن حرية الإنسان كمخلوق؛ مفكر، عاقل، متوازن. وبقدر ما حققت ثورات الجياع والمستضعفين في العالم من إنجازات عظيمة، بقدر ما ارتدت الإنسانية ثوب عبودية جديد قلّما يدرك البشر خطورة ارتدائه على هذه الشاكلة
ذلك أن هذه الحضارة التي شكلت نماذج واسعة من التشريعات والقوانين واللوائح المجرمة لانتهاك حقوق الإنسان, هي ذاتها من فتحت أبواب العبودية من جديد. أليست هذه التبعية الاقتصادية نوعاً من العبودية؟, أليست هذه الثورة التكنولوجية المنبثقة عن ثقافة الغرب تبعية فكرية؟.. الأغلال الحديدة والسجون المرصوفة بأشلاء العبيد والجياع وقليلي الحيلة تتكرر اليوم لكن بطريقة أخرى مغايرة لما كانت عليه من قبل.
الاستعمار الفكري والاقتصادي ليس مصطلحاً جديداً على القاموس السياسي الاستعمار للعصر الحاضر كما هو الحال أيضاً مع مصطلح الحرب الباردة وما ترمي إليه من خطط وتكهنات مستقبلية. ويكفي في هذا المجال أن نتأمل مواقف الغرب من قضايا الشرق الأوسط المعاصرة فمن المعلوم ان القرار الأول والأخير يكاد يكون مختوماً برعاية ودعم وتنسيق من أميركا الأم المتسلطة على المجتمع الدولي بامتياز. الفرق بين عبودية القرن المنفرط وقرننا الحالي: أن القيود التي تحد من حرية البشر اليوم ليست قيوداً مرئية وهي عبارة عن قوانين ملزمة لنفاذ سياسات أجنبية تعمل على تحقيق مصالحها الخاصة فقط مع حرصها الشديد على إظهار سياسات عالمية عامة نتوافق مع إمكانيات وبيئات اقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية خاصة يمكن من خلالها استشفاف بعض النوايا الموجبة رغم تفاصيل سلبية كثيرة يعانيها الشرق بأكمله دون ان يستطيع تحريك مواقفه منها بشكل علني قابل للتفاوض. والحقيقة انه يصعب الفصل في بعض القضايا المصيرية المشتركة بين البشر على المستوى العالمي خاصة فيما يتعلق بالجانب الإنساني على أساس ان الحقوق الأساسية مشتركة بين جميع الشر أياً كانت أوطانهم وسياسات أنظمتهم. لكن قضايا أخرى كثيرة يصعب منحها الطابع العالمي خاصة فيما يتعلق بالنواحي الاقتصادية المعتمدة على رؤوس أموال محلية وثروات بيئية طبيعة لا تحتاج إلى تصدير وإعادة تصنيع على الأقل فيما يخص السلع الأكثر استهلاكاً وتداولاً وضرورة للحياة. يمكننا التحرر من هذه العبودية المفروضة علينا عبر برامج وسياسات محلية قادرة على استثمار طاقات الوطن أرضاً وإنساناً والاستفادة منها في انعاش مستوى الإنتاج والتسويق للمنتجات الوطنية محليا وإقليميا. يمكننا أيضاً أن نتحرر من عبودية ثقافية مستندة إلى ثقافات أخرى مغايرة تتنافى مع ثقافاتنا وعاداتنا وتقاليدنا المجتمعية الراقية والمستمدة من شريعتنا الإسلامية، يمكننا ذلك عبر إحياء ثقافة مجتمعية واحدة صامدة في وجه هذا الطوفان الذي يستهدف شريعة الشباب على الوجه الأخص، وربما كان هذا كافيا للقضاء على المجتمع بأسره.
ألطاف الأهدل
عبودية..بشكل آخر!! 1317