لم يعد هناك فرق في زمننا الحاضر بين البر والبحر في حجم ونوع الخطر الذي يمكن أن يصيب الإنسان غير المتدرب والمؤهل أمواجهما، فكما أن للبحر أمواج عاتية وطوافين مدمرة، أيضاً للبر أمواج عاتية نراها في تلك الطفرات والأحداث السياسية والاقتصادية المهلكة للحرث والنسل والمبيدة لمقومات الحضارة الإنسانية، وكما تبتلع أسماك القرش أسماكاً أصغر وأضعف منها، تبتلع قروش البر من الجبابرة كل إنسان ضعيف أو فقير أو غير ذي عزوة ووجاهة ونفوذ، ومهما تكن مهارة الغواص في التعامل مع البحر إلا أنه لن يسلم من أخطاره، والفكرة ذاتها مع من يعيش على اليابسة، فمن منا لا يخاف من أن تصيبه قارعة أو تحل قريباً من داره؟ لقد أصبح قتل الناس عند البعض كاصطياد الحشرات أو أهون من ذلك بكثير، غير أن قروش البر هؤلاء لا تحركهم الفطرة نحو فرائسهم، وليس في تلك الفرائس لهم أي حق، وهي أيضاً لا تسمن ولا تغني من جوع، بينما يفترس القرش أسماكاً كثيرة أضعف منه وأصغر لأن فطرته في الافتراس والله هداه لهذا وهو يجد فيها ما يشبع جوعه ويملأ فراغ جوفه، غير أن الوضع اليوم لا يقبل التعليل ولا يحتمل التشريح والتحليل لأن حقيقة الصراع الدائر بين بني البشر أصبحت واضحة، وهي قائمة على قانون الـ (فك المفترس)! نعم فالقتل والنهب والتشهير والسعي في نشر الفساد والرذيلة أصبحت وسيلة من وسائل العيش، آلية للوصول إلى أكل أموال الناس بالباطل وتوظيفها لأغراض معيشية أكثر راحة ورفاهية، فكم من الكبار في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يعتاشون على أموال الفقراء والمعدمين؟ من يسرق أموال الشعوب العربية ويرسلها في رحلة سُبات طويلة داخل بنوك أوروبا إلا هؤلاء الكبار؟ من يسلب الناس طعم الأمن والسكينة إلا هم؟ من يقبر أحلامهم ويأخذ العزاء في طموحاتهم ويكسر هياكل أفراحهم ويبني أسوار أحزانهم؟ من يدفعهم للضياع دفعاً ويشدهم نحو الهلاك شداً ويأسر انطلاقهم نحو الحياة أسراً؟ من يخنق الفرح ويشق المرح؟.. لا يفعل هذا بالناس إلا تلك القروش البرية التي تعيش على اليابسة بلا زعانف أو خياشيم أو قشور!.
لقد بدّلوا فطرة الله التي قضت بالطهارة والعفة في كل جوانب حياة الإنسان كإنسان أياً كان توجهه أو انتماؤه أو دينه؛ الإنسان بالمعنى الراقي والنبيل والنزيه عن أي اعتبارات مادية أو معنوية ولنا في رُسل الله وأنبيائه قدوة وأسوة حسنة، فأين كان مصير الذين قال لهم أنبياؤهم بالحق والعدل والسلام؟!.. وأين كان مصير من ابتاعوا أنبياءهم إيماناً بالقدرة الإلهية واستسلاماً لها؟!!.
ألطاف الأهدل
قرش البحر وقرش البر!! 1292