ليس من المنطق والعقلانية أن نحتكر " أفكارنا وعقائدنا، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم ، ونبذل كل القوى والجهد الكبير لكي نثبت نسبة تلك الأفكار والعقائد إلينا، وعدوان الآخرين عليها؛ فذلك حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار والعقائد كبيراً، حين لا تكون منبثقة من صميم وعمق الإيمان لتلك الأفكار التي نتباهى بها وتقوم الدنيا ولا تكاد تقعد حينما نرى من يحاول أن ينسبها إليه ، كما لو كانت بغير إرادة منا، حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا!.
فحينما نرى أفكارنا وعقائدنا والطرق التي سلكناها وصنعناها والنهج الذي انتهجناه ملك للآخرين، هذا هو الفرح الروحي والثمرة الطبيعية الطيبة.
إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح – ولو بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض – زاداً للآخرين وشهرة وريّاً، ليكفي لأن تفيض قلوبنا بالرضا والسعادة والاطمئنان. ولربما تبقى الأفكار ونفنى وبانتشارها نظل أحياءً عند من يعتنقونها !.
"فالتجار" وحدهم هم الذين يحرصون على العلاقات التجارية لبضائعهم ،ويضعون ما يدل على الاحتكار والخصوصية والعلامات التي تنسب تلك البضائع إليهم فقط كي لا يستغلها الآخرون، ويسلبوهم حقهم من الربح، أما المفكرون وأصحاب العقائد والمبتكرون والمخترعون، فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ، وأن يحذوا الناس حذوهم ويشقوا نفس الطريق التي هم سلكوها وانتهجوها ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم، لا إلى أصحابها الأولين!. فاحتكار الأفكار والعقائد ليس منهم في شيء, لأنهم لا يعتقدون أنهما أصحابها ومالكوها وهم لها وارثون، فالعظماء من المفكرين وأصحاب العقائد يجعلون من أنفسهم كبريد بل كواسطة لترجمة ونقل تلك العقائد والأفكار, لأنهم يحسُّون أن النبع الذي يستمدون منه ليس من خَلْقِهم ، ولا من صنع أيديهم وكل فرحهم المقدّس، إنما هـو ثمرة اطمئنانهم إلى أنهم على اتصال بهـذا النبع الأصيل..
هشام عميران
الفرح المقدس يكون بانتشار الأفكار 1188