نشعر كثيراً في تربيتنا وتوجيهنا أننا نحتاج لبيان الأخطاء وممارسة الانتقاد، وربما اللوم والعتاب، وقد يتطور الأمر للعقوبة، وكل ذلك - حين يكون في إطاره الطبيعي - ليس مجالاً للنقاش أو الاعتراض.
ومنشأ الإشكال إنما هو في اتساع مساحة الانتقاد واللوم على حساب غيره؛ فالنفس تحتاج للثناء والتشجيع، وتحتاج للشعور بالنجاح والإنجاز كما أنها تحتاج للنقد والتسديد، كالنقد البناء الهادف الذي يجب الترحيب به, لكن ما يأخذه النقد واللوم من واقعنا أكثر بكثير مما يأخذه الجانب الآخر.
القارئ الكريم: إن الثناء يُشعِر الشخص بالرضا والإنجاز، ويزيد من ثقته بنفسه، ويجعل الشخص يشعر بشيء يدفعه نحو الرقي والتقدم والمضي لشق طريقة سليمة في حياته ولربما أن الثناء يُشعِر الشخص بالاهتمام والوقوف بجانبه مما يزيد من ثقته في نفسه فيمتلك خصال جمة إيجابية تجعله يمتلك خاصية تجذبه نحو الشيء الجميل كالذي يثنى عليه لأجله.! والمربُّون اليوم أحوج ما يكونون إلى غرس الثقة بالنفس والشعور بالقدرة على الإنجاز في ظل جيل يعاني من الإحباط، ويقتحمه اليأس, ويسيطر عليه القنوط, ويغزو مخيلته كل الهواجس السلبية والتي تجعل منه إنسان لا شيء, وتسبق هواجس الإخفاق تفكيره في أي خطوة يخطوها، أو مشروع يُقدم عليه, حينها سيصبح عقيماً لا يجدي نفعاً وهذه مشكلة نريد التخلص منها والتحرر من قيودها التي لا تعود على الأمة والوطن والمجتمعات بالخير, بل تساعد على تفشي الكثير والكثير من السلوكيات الهدامة والمشاكل العائقة أمام التقدم في شتى مجالات الحياة..
في حين أن النقد واللوم يسهم في تكريس الشعور بالفشل والإحباط ونموه في النفس، ويضيفه صاحبه إلى تجاربه المخفقة.
والثناء وسيلة غير مباشرة لإثارة تطلُّع الآخرين وحماستهم للتأسي بالمُثْنَى عليه والاقتداء به، وإبرازه مثلاً حياً مشاهَداً أمامهم؛ لذا فحين قدم طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم محتاجين للنفقة، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لذلك، فتصدق رجل بصُرَّة كادت يده أن تعجز عنها، فتابع الناس بعد ذلك، حينها قال صلى الله عليه وسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"(1).
وحتى يؤدي الثناء دوره دون إفراط فلا بد من الاعتدال؛ فالمبالغة فيه تُفقده قيمته، وتشعر من يسمعه بأنه ثناء غير صادق ولا جاد.!
وهو مذموم حين يوجه لمن لا يستحقه، أو لمن يُخشى عليه العُجْب والغرور؛ بل يستحق من يطلقه حينئذ أن يُحثى التراب في وجهه، كما قال صلى الله عليه وسلم : "إذا رأيتم المدَّاحين فاحثوا في وجوههم التراب"..
هشام عميران
الثناء بدون إفراط وسيلة تربوية ثمينة 1265