لا زال البحث عن آلية لتنظيم الحياة الإدارية والاجتماعية في مجتمعنا أمراً بعيد المنال، فالنظام في مجتمعنا دواءً مُر يرفض الجميع تجرعه، لكن وحتى يحدث ذلك لابد من بعض القوة والحزم والجدية وحتى القسوة.
نعم فعلى هذه الحالة التي نراها اليوم لن يكون لمجتمعنا شأناً بين الأمم كما أن الكثير من أبنائه الذين نستطيع تسميتهم بالأسوياء؛ هؤلاء لن يستطيعوا البقاء في مجتمع كهذا تعمُّه الفوضى وتسوده الحرية المشوهة وتقوده الفرق المضللة من فكرة إلى أخرى ومن موقف إلى آخر.
لقد أصبح مجتمعنا من المجتمعات الطاردة التي تجبر أبناءها على الرحيل إلى عوالم أخرى قد لا تكون أكثر غنى أو أفضل في توفير فرص العمل، لكنها مجتمعات تحترم الإنسانية وتقدر مستويات العطاء لدى الأفراد وتثمن مجهوداتهم.
وإذا افتقد المرء منا حقه في الحياة الكريمة وسلبه مجتمعه ذلك التقدير الذي يجعله أكثر احتراماً لذاته وزاد أصحاب القرار الأمر سوءاً بالسكوت أمام فوضى سياسية عارمة ترفع وتخفض دون وجود مقاييس؛ هل يستطيع أياً منا العيش بعد ذلك في مثل هكذا مجتمع؟!.
إن المسار الاقتصادي الذي تتوجه كل الدول النامية إلى اعتباره المخرج الصحيح من كل أزماتها الداخلية والخارجية لا يمكن الوثوق بنتائجه على مستوى صناعة الإنسان بشكله القيمي والفكري المتكامل، فكثير من البلدان الغنية تعاني من حالات تمرد داخلية في بنيتها الاجتماعية والأخلاقية لأنها اهتمت بتحديث وتطوير الأرض على حساب الإنسان، ومن الطبيعي إذاً الإيمان بضرورة التوازي في سير العملية الحضارية التي يقودها الإنسان في نهاية الأمر.
وهذا ما نفتقده في أوطاننا العربية بالتحديد, فعلاوةً على أننا نزاوج بين تراثنا الحضاري والطفرات الغريبة، إلا أننا نعاني أيضاً من الانحراف عن الآلية الفطرية في بناء المجتمعات المتحضرة، ولهذا فنحن نتقسم في المرحلة الراهنة إلى قسمين لا ثالث لهما؛ أصحاب الأبراج السياحية وأصحاب الأنفاق السياسية، وفي كلاهما بشر يعيش نصفهم في السماء ونصفهم في باطن الأرض.. فأين هو التوازن إذا كانت هذه هي حياتنا التي نعيش؟! وهل من حقنا بعد هذا أن نسأل: لماذا يهرب الشباب من هذا الوطن إلى أوطان أخرى قريبة أو بعيدة؟!.
قد لا يعني هروب هؤلاء الشباب بغية رغبتهم في الحصول على المال، لأن ما يبحثون عنه أعظم من ذلك بكثير؛ إنهم يبحثون عن إنسانيتهم، عن ذاتٍ تسكنهم، عن نظام اجتماعي يقدر تضحياتهم في العمل والبناء والعطاء والتغيير، وهذا المجتمع لا نستطيع الوصول إليه وحياتنا مسكونة بالفوضى والعشوائية والنزاع..
ألطاف الأهدل
لهذا يهرب الشباب!! 1381