حال الطب والأطباء في بلادنا يرثى له.. فالقصور الكبير في الوسائل التطبيقية وتحول الطب بكل مقوماته " أطباء ـ أدوية ـ مستشفيات" إلى تجارة بيضاء, جعل من مسألة الكادر الطبي المتخصص والناجح أمراً من الصعب تصديقه. فمن منا يثق بتسليم جسده إلى طبيب من أطباء الجيل ؟!.. هذا إذا علمنا أن الجيل المخضرم من الأطباء شارف على الاعتزال والتقاعد عبر تنظيم مناوبات محددة لمزاولة العمل أو تسليم العيادات لأطباء مستجدين سواء كانوا من أفراد الأسرة أو من الأصدقاء.
استوقفني طبيب جلدية قمت بزيارته ذات مرة، الرجل يتعدى الستين ولا يبدو عليه ذلك حقيقة، لكن يبدو أن الذاكرة بدأت تشيخ قبل الجسد. لم يحاول أن يسأل ابنتي أي سؤال عن حالتها الصحية، وأخذ مسح القلم الذي بين يديه مرارا بالمنديل، ثم تناول منديلا آخر ليمسح نظارته، وآخر ليمسح سطح مكتبه، وخامس ليزيل قطرات العرق عن جبينه.. حتى شعرت أنني وابنتي في عالم وصاحبنا الطبيب في عالم آخر. أخذت اردد في نفسي ( يا مثبت العقل والدين ثبت قلوبنا على طاعتك).
طبيب باطنية يسفه كل الأدوية التي وصفت لزميله لي ويصف من كتبها بالجنون والخرف ، ثم يكتب كورس أدوية جديد تتجاوز قيمته العشرون ألفاً ويقول لها: لا تشكين من أي شيء سوى جرثومة معوية. وتبدأ زميلتي باستخدام الدواء ثم تتحول المسألة من جرثومة معوية إلى صدمة كيميائية يتلقاها الكبد عبر وصفة دوائية خاطئة، وكان هذا تقرير الطبيب الأردني في عمان!
أين ذهب أطباء زمان؟... أولئك الأطباء الذين يستمر الفحص اليدوي أو السريري في عياداتهم إلى أكثر من عشرين دقيقة، حتى يخاف احدهم أن يصف دواء تفوق قوته درجة احتمال المريض. أطباء لم ينكروا وجود الطب العشبي، ولم يسفهوا من دور الغذاء كمكمل دوائي وليس كما يراه أطباء اليوم كإضافة غذائية.
أحاول دائما أن أبقى في منأى عن عالم الأطباء لكنني هفوت مرة بسبب آلام اعترتني وكانت فوق مستوى الاحتمال، فما كان مني إلا أن يممت صوب احد الأطباء المشهورين في مجال الاستطباب الدوائي، اذكر أن عظامي كانت على ما يرام لكنها ليست اليوم كذلك لأن جرعة الدواء الباهظة كماً وكيفاً كانت مجرد مسكنات فقط إنما لأكثر من شركة.
الأطباء هم الأبناء الأوفياء البررة لشركات أدوية تمارس التجارة غير العادلة على المجتمعات الإنسانية خاصة في البلدان النامية. وهؤلاء تحديداً هم من ينطبق عليهم المثل القائل:" مصائب قوم عند قوم فوائد".
وما الذي يمكن انتظاره ممن يسترزق بأوجاع الناس ويستنفع بآلامهم؟ وطبعاً مع الاعتذار للقامات الطبية السامقة خارج الوطن وداخله أولئك الشرفاء الذين عرفناهم يوم التقى الخصمان!.
ألطاف الأهدل
أطباء..ولكن!! 1255