ميزانية الدولة شبه منهارة، هذا ما نسمعه يومياً من مدراء وزملاء العمل وهذا ما نقرأه على صفحات الصحف الصفراء وغير الصفراء، وكأن الميزانية التي يتحدث عنها هؤلاء طفلة تمارس رياضة التزلج على الجليد لأول مرة! فإذا كانت الميزانية شبه منهارة، والكهرباء مقطوعة، والمشتقات النفطية معدومة، والمياه شحيحة، ما الذي تبقى لهذا الشعب؟ ولماذا لا تعلن الحكومة عجزها عن تصحيح الوضع وتنسحب من منصبها لتترك المجال لآخرين ربما استطاعوا تقديم المساعدة بشكل أو بآخر. الملاحظ في الأمر أن الميزانية والكهرباء والمياه والمشتقات النفطية اسماء مؤنثة من الظاهر لكنها ذات مضمون مذكر! فالميزانية في نهاية المطاف تعني المال, والكهرباء تعني الضوء والمشتقات النفطية تعني البترول والمياه يعود أصلها إلى المطر.. فهل يرتدي البؤس ثوب الغنى أم تتسربل الطهارة بأطهار البغاء؟! هذه الدولة التي يتحدث عنها البعض وكأنهم يتحدثون عن مدينة ورقية تسكنها شعوب من ألوان الشمع وبقع الصلصال هي دولة إسلامية يشهد شعبها بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لكن كُبراءها باعوها بأثمان زهيدة وخانوا وطنيتهم مقابل أوحال من وسخ الدنيا، فالسيارات الفارهة والقصور المشيدة ورؤوس الأموال الباهظة في بنوك أوروبا لاشك ستدغدغ ضمائر الذين أحرقوا بالأمس شباب الوطن وانتهجوا العنف كوسيلة للسيطرة على كبرياء آخرين لازالوا بين جنة الوفاء للوطن ونيران الوفاء لإنسانيتهم!.. يتحدثون عن وطن يتداعى وكأنهم ليسوا أبناء له، ستبصق الأيام في وجوههم قذارة الخيانة وسيعلن التاريخ يوما وضعوا فيه أيديهم في أيادٍ لا ملامح لها ولا لون ولا هوية. ولن ينسى هذا الشعب الكادح يوماً منحوا فيه الثقة لمن لا يستحق وقد كان من بينهم من هو بها أحق وعليها احرص. إن محاولة الهروب من الأسباب للوقوع في فخ النتائج أمر قد تعودنا عليه منذ سنوات طويلة، وليس من العدل أن نجعل من الثورة شماعة تحمل أوزار من ساقوا الوطن إلى الهاوية سوقا، فالوطن يشكو الانهيار الاقتصادي منذ سنوات طويلة وعجزت كل حكوماته المتعاقبة إخراجه من دوامة الخسائر المتلاحقة لأنها حكومات خدمية لا هدف من وجودها إلا خدمة الأحزاب التي تنتمي لها والتي تسعى لتثبيت أوتادها السياسية على رقعة المصالح المشتركة مع من هادنتهم على حساب الشعب الأعزل من الحصانة. وسيبقى الوطن في خطر ما بقيت تلك الثلة على مقاعد الحكم ومنابره السياسية. إن ما نبحث عنه لا يكمن في أسباب انهيار الميزانية لأن كتلة القيم المنهارة أكبر بكثير من مجرد ميزانية الدولة التي يمكن تعويضها عبر مشاريع استثمارية ضخمة لا تحتاج إلا إلى وجود نوايا صادقة.
ألطاف الأهدل
ميزانية منهارة أم قيم ضائعة؟ 1438