جرت العادة أن تتسع رقعة التسول كل خميس وبشكل مجموعات متتالية، تمر تلك المجموعات على المحال التجارية, والمنازل لتأخذ المقسوم لها من مال الله لتعود إلى (عُششها) بطاناً كما تعود الطيور إلى (أعشاشها) بطاناً!..
لكن الملحوظ أن هذه العادة السيئة أصبحت تتكرر يومان من كل أسبوع، الخميس والسبت أيضاً، بعد أن أصبح السبت إجازة رسمية، فالكثير من المحال والمنشآت التجارية لا تغلق أبوابها يوم السبت، لهذاـ وبشهادة الناس أنفسهم ـ أصبح للمتسول يومان للشحاذة بدلاً من يوم واحد على اعتبار أن الجمعة راحة لكل المسلمين سواءً الذين يشحذون حق (قوتهم), أو الذين يسرقون حق (قاتهم)!..
والمهم في الأمر أننا أصبحنا (نسبت) فنصطاد الفرص الاقتصادية التي يتحدث عنها أصحاب القرار لكن كلٌ بطريقته!..
المشكلة قد لا تكون في (السبت) أو (الشحاذة)، إنما هي أكبر من هذا بكثير، فنحن من الشعوب سهلة القيادة والانقياد، ونحن أيضاً من الشعوب التي تحظى انتقاء الفرص الجيدة وغالباً ما تقع شباكنا في الماء العكر، ومع هذا نستمر في البحث عن المكتوب وتمضي بنا قافلة الحياة إلى النهاية ولم ننجز ولو القليل مما نطمح إليه. ربما لأن طموحاتنا غالباً ضحلة ومتقزمة ولا تتجاوز أطراف أنوفنا.
فالمأوى ولقمة العيش هي الحق الضائع الذي تحول إلى طموح بسيط الوزن لكنه غالي الثمن.
تسير حياتنا على هذا المنوال بل وأكثر رداءة من هذا، إذ لا يتمتع هذا الشعب بشخصية اعتبارية وكأن حق الوصاية مملوك لأصحاب القرار السياسي لكنه أيضاً خاضع للمساومة من قبل أطراف تحترف الجمع بين رأي الشعب وقرارات الدولة!.. وأياً كان الأمر تبقى قضية التبعية التي نعيشها من أخطر القضايا التي نغض الطرف عنها حياءً من الاعتراف بها وخوفاً من قياس أثرها على المجتمع بشكلٍ عام.
لكن مسألة قياس الأثر تبقى معلقة لوضوح الأدلة الدامغة للشبهات، وكما ترى قارئي الكريم فالأمر يبدأ بعادة تتحول إلى سلوك ثم لا تلبث أن تصبح مهنة محترفة، ولعل شعوبنا تسير وفق هذه القاعدة، في اليمن وغير اليمن.
إنما قد تبدو أشد وضوحاً في اليمن لأسباب عديدة يدخل ضمنها رقة قلوب اليمانيين، وذلك القدر من العزلة التي أبقتهم بعيداً عن ركب الحضارة الفكرية والتعليمية ردحاً من الزمن. ولعل فجراً يتفتق في أفق المستقبل مبشراً بصبح قريب، إنما لا ننسى أن الحضارة تبدأ من إنسان متطلع لا يمد يديه ليتسول لقمة العيش وقد يملك فكراً وقوة ورأياً وبصيرة.
ألطاف الأهدل
يوم آخر للتسول..! 1296