يظن البعض أن ( الأقلمة) الجغرافية ستكون حلاً للكثير من مشاكلنا الاقتصادية والسياسية، لكن هذا التحول التكتيكي لن يكون ذا أهمية إن لم يقترن بـ ( أقلمة) الإنسان اليمني عبر نشر ثقافة الشخصية الموحدة للإنسان الجديد الذي يستطيع استيعاب كل المتغيرات الضرورية من حوله ويتأقلم معه بطريقة ذكية ومسالمة.. فقد تبادر إلى أذهان كثيرين حجم الثروة التي ستتمتع بها بعض الأقاليم على حساب أقاليم أخرى لا تمتلك غير ثرواتها البشرية العاطلة عن العمل، والأمر على هذا النحو من القياس سيحمل الكثير من علامات الاستفهام التي قد تعلم الإجابة عنها وقد يكون من الأفضل أن لا نعلمها، فالثروة الاقتصادية وحدها دون وجود الوعي بآلية توزيعها, لا يمكن أن يكون كافيا أما خطوة الخروج عن النص الجغرافي إلى دولة اتحادية جديدة يمكن عبرها تحقيق مبادئ سياسية واقتصادية عادلة بشروط يجب توافرها منذ وقت مبكر.
إن من أهم تلك الشروط أن يستوعب الساسة حجم هذه الخطوة وفترتها الإجرائية والآلية التي يجب أن تتحقق بموجبها، بالإضافة إلى الخطة التي تلتزم بها الدولة تجاه خطوات تنفيذها عبر شراكة إقليمية متكاملة تهدف إلى إزالة الحواجز الفكرية والاجتماعية المتراكمة خلال سنوات الإقصاء والتهميش للقرار الملحي سابقا.
لهذا نتحدث خلال المرحلة الراهنة عن بناء الإنسان كقدرات ومهارات معا, فالوضع يتطلب وجود أشخاص ذوي كفاءات وقدرات خاصة، على الأقل لإزالة تلك الشوائب العالقة على البنية الحكومية وحجم الفساد الذي يغطي مخرجاتها الخدمية والإدارية على كافة المستويات.
ولهذا أيضا نتحدث عن ضرورة إثراء الواقع الإحصائي بدراسات وبيانات تؤكد حجم احتياج الإنسان لمشاريع تنموية تعزز من توظيف قدراته وترفد مجتمعه بخبرات ومهارات لا يتسنى لها الظهور في ظروف متناقضة وجهود عشوائية غير متوازنة تسكب الماء على الرمل وتشد حبل الساقية حتى انقطع منها الرجاء.. ولا مفر إذاً من احتواء فكرة الإنسان المدني أو المجتمع المدني فكلاهما مخرج لتسلط الطبقي الذي يتفاقم يوماً بعد يوم بعد الانصهار القيمي الذي أحدثته وتحدثه السياسة ومصالحها المحصنة بالقوة.
إن التقسيم الجغرافي قد يساعد على السيطرة والتحكم في الثروات وحجم الإيرادات والموارد البشرية، وقد يساهم في تنمية الجوانب الخدمية نظراً لتحقيق مبدأ اللامركزية والاعتماد على وجود الشخصية الاعتبارية للأقاليم وما قد تخلقه المنافسة الشريفة والبناءة بين تلك الأقاليم من فرص لتحسين مستو المجتمع المعيشي والصحي والتعليمي والثقافي.. الخ. لكن وكما أسلفنا فإن من المهم جدا قبل هذا خلق الوعي الكافي بفكرة الأقاليم وما يحتاجه الأمر منا من محو الأمية السياسية ونشر فكرة الديمقراطية عبر وسائل أكثر براءة وبراعة من مجرد أعلام موظف أو منبر مباع.
ألطاف الأهدل
أقلمة الإنسان قبل الأرض 1266