في كل مرة يقف فيها أحدنا في محراب التضرع راجياً التوبة وسائلاً المغفرة ينسى أن مثل هذه الخطوة تتطلب اتباع بعض الإجراءات المتتالية والمتناسقة مع حجم الرغبة في التوبة، فلا يستطيع المذنب أن يتوب طالما وهو ضيف دائم على أماكن المعصية والخطأ، كما أن توبة في صحبة أصدقاء السوء لن تؤتي أكلها أبداً، فهؤلاء هم التاريخ الذي يقرأ التائب على صفحاته كل هفواته وزلاته وأخطائه كل يوم. كما أن عزيمة قوية وإرادة جبارة ونية صادقة تسكن قلب المقبل على التوبة قد تكون وقوداً لإشعال جذوة العودة إلى الله والإقلاع عن الذنوب.
التوبة من الذنوب سلوك مستقيم يبدأ بفكرة مضيئة تجعل كل زاوية في قلوبنا خالية من تلك الظلال التي تسقطها ذنوبنا تباعاً حتى يتكون الران الذي يغطي تلك القلوب بما كسبت أيدينا، (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)، لكن من أصعب مراحل التوبة من الذهب هي مرحلة الإقلاع عنه، إذ أن ذلك المكان الذي يتركه هجران الذنب يبقى شاغراً.
وهنا لابد من ملئه بطاعة ذات تأثير قوي على النفس، ومن الطاعات التي لها أثرها على تهدئة النفس وإحداث الطمأنينة فيها طاعة الذكر والتسبيح والاستغفار على الدوام، وهذه الطاعة التي تحتاج إلى لسان يلهج بالنجوى على الدوام يمكن إحلالها محل المعاصي التي يرتكبها اللسان كاللعن والسباب وذكر الناس في غيبتهم بما يكرهون، وهكذا فإن معصية كنت تستخدم فيها تحريك أعضاء جسدك سيساعدك في الإقلاع عنها طاعة تستخدم فيها ذات الأعضاء فإذا كنت تسير لإحداث الفتنة، أو تسعى للبطش بالناس، فمارس طاعة الصلاة في المسجد واجتهد في أدائها بكل جوارحك، تماماً كما كنت تأتي المعصية بكل جوارحك، وحين يجد الإنسان البديل الذي يسكن قلبه ويملأ فراغ روحه يصبح مستعداً للابتعاد عن أماكن المعصية، وجاهزاً للانسحاب من مرافقة السفهاء.
ويجب أن تعرف أن ثمة عوامل تجعل من الإقلاع عن الذنب أمراً سهلاً ومنها عدم الإصرار عليه وعدم معرفة المذنب بُحرمة الذنب من عدم ذلك، وأيضاً توخي الحذر من كل ما يمكن أن يكون سبباً في العودة إليه.. ومن المفيد أن لا يبقى المرء في دائرة الذنب والتشويش أو كما يقول الحديث (حول الحمى) حتى يتجنب الوقوع فيه من جديد، فالتائب من الذنب أن صدق يصبح في مرتبة من لا ذنب له، فحتى لا نعود لذنوبنا علينا أن نتعلم أبجدية هجر المعصية كما علمتنا الغفلة أبجدية هجر الطاعات وبين هذا وذاك شيء واحد فقط ضمير حي..
ألطاف الأهدل
لماذا نتوب ثم نعود؟! 1331