في حياتنا العملية نتعرض للكثير من المواقف التي تتحول فجأة إلى مآزق صغيرة أو كبيرة نشعر أمامها بالعجز عن التفاعل أو حتى الانسحاب.
لكنها سرعان ما تتحول إلى مجرد ذكريات عابرة بعد أن تمنحنا خبرتنا في الحياة حلولاً مناسبة لا تضرنا ولا تصب في مصلحة الآخرين على حسابنا..
لكن من المواقف ما لا يمكن تجاوزه بسهولة ذلك لأنه قد يرتبط بعقيدة أو مبدأ، ولا تكفي الخبرة المتراكمة أمامه لتكون حكماً عادلاً يرجح كفة الصواب وينئ بنا عن مكامن الخطر.
من تلك المواقف ما يمكن أن نسميه بلهجتنا العامة الدارجة( الورطة) وهذا يعني بحسب معجم اللغة العربية الوقوع في أمر صعب، وقد يعني ( الوحل) أيضاً، فمن الصعب الخروج من الوحل بسبب قوامه الثقيل وتقييده للحركة.
مثل ذلك ورطة التحزب التي يظنها الناس مسألة بحث عن هوية سياسية, لكنها في الحقيقة مأزق كبير يقع فيه الكثير من الناس. فالتحزب يجعل من الناس عبيداً لمصلحة يمكن أن تتحقق لكن على حساب آخرين يفقدون أثمن ما يملكون دون ذنب أو خطيئة.
كما أن التحزب يهدم مبادئ اجتماعية راقية, أولها احترام الرأي والرأي الآخر وليس أخرها احترام حرية الآخرين وتأطير الحرية الشخصية بالوعي الكامل حول ثقافة الحق والواجب. التحزب يعني: البقاء في قفص الاتهام والفشل في بناء علاقات اجتماعية متوازنة ومتكاملة، مع بقاء النظارة الملونة بالوان الحزب على أعين بالكاد تستطيع أن ترى الحقيقة!... نعم هذه هي الورطة التي وقعنا فيها كشعب يعترف بوجود الديمقراطية لكنه يفشل في الاعتراف بوجوده وقدرته على ممارستها وتحويلها إلى نظام اجتماعي بدلاً من بقائها شعاراً غثاء على ألسن المتعصبين للسياسة والمستفيدين منها ومن هم على استعداد للبقاء كأذيال لها!..
السياسة التي يمارسها المتحزبون في مجتمعنا لا تمت للمعنى الحقيقي للسياسة بأي صلة, ففي الوقت الذي تعني فيه السياسة الحقة حسن تدبير الأمور والبراعة في إدارتها, لكن هذا لا نراه في سياسة اليوم التي برعت في التمزيق والتفريق وقطع الطريق!... يجب على من أمتهن السياسة أن يقرأ في معناها، وكيفيتها، ومن برع فيها من الأعلام الأوائل، حتى يتعرف على صفاتها وشروطها ويستطيع أن يمارسها عن علم وليس عن جهل وافتتان.
لذا أرى ـ من وجهة نظري ـ أن في ممارسة السياسة والتحزب ورطة كبيرة في مجتمع لم يستطيع التفريق بعد بين الحق والواجب. ولو أنه استطاع ذلك لكانت شوارعنا وحوارينا وألفاظنا ونوايانا سليمة من العطب الذي انتشر اليوم كانتشار النار في الهشيم.
الحزبية قرار سياسي لا يجب أن يتخذه المرء إلا بعد أن يحسن فهم كل مفردة في قاموس السياسة وما تحمله من مفردات شاذة يمكن أن تتحول إلى قذائف تحطم كل ما نبته يد لا تؤمن إلا بقوتها فقط.
ألطاف الأهدل
الورطة...! 1347