نخطئ كثيراً حين نظن أن بيوتنا فقط من الزجاج؛ لأن بيوت الناس جميعاً من الزجاج أيضاً.
فبالاعتماد على التفسير الصحيح للآية الكريمة ( إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) صدق الله العظيم- تكون بيوتنا فعلا ًمن الزجاج، لكن بكل أسف لنا قلوب ليست كذلك.
بيوتنا قلوب كبيرة ينبغي أن تبقى نابضة بالحب والتضحية حتى لا يتحول كل إنسان فيها إلى صور مؤطرة بالحق والواجب فقط.
ولن نستطيع أن نجعل من بيوتنا قلوباً كبيرة إلا إذا كنا كباراً بما يكفي لنتعالى على حقير المواقف, وصغيرها وبما لا يسفه وجهة نظر الآخر أو يلغي وجوده ويشرخ كبرياءه.
قد تبدو بيوتنا معتمة أحياناً وذلك لأن جدرانها الزجاجية اتسخت بالأتربة التي تخلفها رياح الخلاف المستمر بيننا وبين من نحب.
ولو أننا بذلنا القليل من الجهد فقط لنفهم أنفسنا لبقيت بيوتنا نظيفة من كل ما يمكن أن يعلق بجدرانها من أوساخ.
بيوتنا عامرة بنا، لذا يقال في المثل الشعبي ( البيت بأهله) بمعنى أن لا معنى للبيوت إلا بأهلها، نحن من نجعلها بيوتاً أو نحولها إلى مقابر.
لهذا أقول أن البيوت التي نسكنها من زجاج فجدرانها من مشاعرنا وزواياها من أضلاعنا, وأسقفها من بنات أفكارنا.. نحن من نرفعها ونعلي بنيانها وليست أطنان الحديد وأكوام الخرسانة.
ولو لم يكن هذا صحيحاً ما كان خير بيوت الأرض هو بيت رسول الله (ص) البيت الذي شُيدت جدرانه من الطين والياجور ووضع على سقفه بعض سعف النخيل ليكون بيتاً لخير من داست على الأرض قدماه بأبي هو وأمي.
هذا البيت المتواضع الهادئ كان مشحوناً باللين والتواضع وحسن الخلق وهنا تكمن قوة البيوت وتتضح أسباب تماسكها.
بيوتنا من زجاج لأنها يمكن أن تكون بتلك الشفافية التي تبرز ما يخفي باطنها وتظهر ما خلف جدرانها ونحن في تلك البيوت لسنا إلا مثل بعض الشراب السائغ الذي يمكن أن يكون داءً ويمكن أن يصبح دواءً.
لكن كيف يمكن أن يجعل الناس بيوتهم من زجاج وهم لا يملكون وصفة الخير التي تلين الحديد وتكسر الصخر وتعطر ماء البحر؟!.. لاشيء يبني بيوتنا مثل الخير، الخير بمساحاته الشاسعة ومعانيه المترامية الأطراف وتربته الخصبة ذات الأشجار المثمرة، الخير الذي تنطق به فطرتنا وتترنم به بيوتنا بعض منا ومن أرواحنا؛ لأن فيها السكن الذي ننشده والسكينة التي نريدها، لهذا يجب أن تبقى من زجاج حتى لو بقيت قلوب الناس من الحجارة.
ألطاف الأهدل
بيوتنا من زجاج 1424