في الصناعة لا بد من وجود قوالب نحصل عن طريقها على الشكل المميز لمنتج معين, وفي الغالب يكون هذا القالب خلفية ناطقة لصورة أكثر وضوحاَ وشفافية.
وفي مشاعرنا يحدث الشيء ذاته, فقلوبنا قوالب لتلك المشاعر التي تغادرنا في سلوك واضح وشفاف ومعبر عن ما نكنه تجاه الناس والأوطان أيضاً, ولعل من الواضح أن قلوبنا خالية من الإحساس بالانتماء الفطري للوطن, وهذا يدل على أن قوالبنا تلك قوالب مشوهة ولا يمكنها احتواء الوطن كرمز انتماء.
نكثر من السخرية والتعليق وتشويه صورة الوطن أمام الآخرين, وربما كان الوضع سيئاً فعلاً, لكن هذا لا يبرر أن نصور بلادنا كمستنقع عربي وبيء كما يفعل البعض على مواقع التواصل الاجتماعي بالتركيز على مساوئ الوطن الراهن صوتاً وصورة, ويتغاضى عن إيجابيات لا بد من نشرها والترويج لها كواجب نؤديه طائعين تجاه وطن لا ينقصه الكثير ليسقط في براثن الهمجية والتجهيل من جديد.
وحتى نكون سبباً في غرس مشاعر الانتماء في قلوب الجيل علينا أن نحاول تسليط الضوء على كل شيء إيجابي يمكن أن يكون مفتاحاً ملائماً لإنصاف الوطن من زمرة المحبطين وعديمي المسئولية الذين لم يعتادوا صنع التغيير وليس لهم نية أن يكونوا ركناً فيه وسبباً من أسباب حدوثه.
التغيير وليس لهم نية أن يكونوا ركناً فيه وسبباً من أسباب حدوثه.
الانتماء الفطري قد لا تحمله الكروموسومات الوراثية على شريطنا الوراثي, لكن غرسه بفاعلية منذ اليوم تحديداً سيكون له أثر كبير لأن قلوبنا خصبة ستمتص بذرة الانتماء إلى أحشائها بعد أن جربت مذاق الخوف من ضياع الهوية والأهل والأمن والسكن.
كثير من الأمور التي نعتقد أنها لا تتم إلا ظروف خاصة وشديدة الحساسية يمكن أن نجعلها في وجود الإرادة التي يكون منبعها حسن التوكل على الله, فما نظن أنه لا يمكن إلا أن يكون قد لا يكون والعكس من هذا صحيح أيضاً, ولن يكون في مقدار الدولة أن تشرع في تهجئة الانتماء صحيح أيضاً, ولن يكون في مقدار الدولة أن تشرع في تهجئة الانتماء والحب للوطن على مقاعد الدراسة, فهذا من شأن الأسرة قبل الدولة.
ومن شأن المعلم قبل الوزارة. الانتماء قيمة ثابتة لا تتغير لكنها ربما وجدت عوائق قوية تمنع من ظهورها, غير أن تلك العوائق لا يمكن أن تكون بالحجم الذي لا تستطيع تخطيه هوية الإنسان التي تدفعه للبقاء ضمن وطن معين وجنسية محددة, ليس لدينا ما يكفي من الإحساس بالانتماء لكن لدينا وطن يغفر كبواتنا ويتناسى زلاتنا ولا يؤاخذنا حين تكون قرارات الكبار سبباً في جهلنا وجحودنا لحق الوطن علينا.
ربما كان لديهم الفرصة لإحداث التغيير الذي كنا نحن سبباً في حدوثه لكننا عجزنا أن نكون أحد أدواته.
ألطاف الأهدل
الانتماء الفطري.. 1248