لنضرب مثلا بتجربتين في التاريخ المعاصر تثبتان أنه إذا توافرت الإرادة السياسية لدى الدولة فإن ما يبدو مستحيلاً لدى البعض سيتحوّل إلى منجز عظيم يغير وجه الحياة..
وقبل الحديث عن التجربتين أقول: لنعلم علم اليقين أن أوضاعنا في اليمن محكومة بافتقادنا إلى الإرادة السياسية الناظرة إلى أهمية وجوهرية إجراء جراحة مؤلمة حتى نستعيد الدولة المخطوفة من قبل حفنة اللصوص الاعتياديين، وهم تحديداً تجار السلاح والمخدرات وأمراء الحرب المتدثّرون بنياشين وملابس الدولة وصعاليك السياسة المقيمون في مناسبات المن والسلوى القاتلة والعوام من القبليين المسحوبين من أنوفهم إلى حتوفهم، وهؤلاء جميعاً يعملون ضد قوانين الدولة، ويراهنون على استمرار الانحلال المنهجي لمؤسساتها.
والآن سأعود إلى تجربتي إيطاليا وروسيا في استعادة الدولة، فقد دأبت المافيا الإيطالية المجرمة على اغتيال القضاة جهاراً نهاراً في شوارع المدن الإيطالية في سبعينيات القرن العشرين المنصرم، وكانت الشرطة الإيطالية تحاذر في الاقتراب من مربعات النيران المافوية، لكن يوماً من شجاعة القرار السياسي أبطل أفعال المافيا، فقد اتخذت الدولة قراراً بمطاردة واعتقال ومحاكمة رؤوس المافيا، وقد تم ذلك بعد محاصرتهم الطويلة في جزيرة صقلية، حيث استسلموا خاضعين صاغرين، لينالوا جزاءهم العادل، ولتنعتق إيطاليا مرة وإلى الأبد من محنة المافيا الرافضة للدولة ومعناها.
وفي روسيا على عهد "يلتسن" تغوّلت المافيا لتنشر أسباب الموت والدمار، وحالما استلم بوتين السلطة كان القرار حازماً واضحاً.. اعتقال رؤوس الإجرام وإيداعهم السجن حتى يقدّموا براءة ذمة ناجزة للمليارات التي نهبوها على حين غفلة من التاريخ، منذ ذلك اليوم القريب بدأت روسيا تزدهر، لتستعيد مجد الدولة، مقرونة بمجد الاستعادة المنهجية لأسباب المنعة والنماء.
ولنعلم علم اليقين أن المافيا اليمنية لن تتخلّى عن مواقعها طواعية، وأنها ستنخر في جسد المجتمع، طالما ظلّت الإرادة السياسية في حالة ترقبٍ وانتظار لتلك اللحظة السانحة التي قد تأتي، وقد لا تأتي في القريب العاجل، وبعد أن يكون الفأس قد وقع على الرأس..!!.
والله الموفق
محمد سيف عبدالله
خطر الإرادة السياسية على البلاد 1188