نشكو في أوساطنا الوظيفية من مشاكل كثيرة لا يمكن الحديث عنها بشكلٍ عارض لأن لها تبعات نفسية وفكرية يعاني منها المشتغلون في مجال الوظيفة الحكومية وغير الحكومية أيضاً، لكن أبرز تلك المشاكل التي لا يمكن تجاهلها هي مشكلة الولاء الوظيفي المنخفض أو الذي يصل إلى معدلات منخفضة عند البحث عن أسباب عدم وضوح المخرجات بالرغم من العمل على تعديل المدخلات وملاءمتها للواقع، وهذه المسألة من المسائل التي أعاقت تطور مستوى الأداء وتحسين نوع الخدمة التي يقدمها الموظف للمستفيدين من أبناء الوطن سواءً كانوا في نصفه الريفي أو الحضري فالمسألة لم تعد ظاهرة جغرافية وإنما قد تتحول تدريجياً إلى معضلة تاريخية!
ويُقال أن من المعيب الحديث عن ما لم تره عيناك أو تسمعه أذناك، فشهادة الحواس ضرورة حين يكون الفاعل ليس أنت! أدركت هذا بعد أن أصبحت ضمن طابور الموظفين الحكوميين الذين ربطتهم الدولة من أعناقهم مثل قطعان بكماء لا تفتح أعينها إلا بداية كل شهر! فالمعاش أو الراتب أو مصروف الجيب الذي تتفضل به أمنا الحكومة بالكاد يكفي لنصدق أننا ضمن القطيع.. فإذا كان الموظف منا لا يحصل على درجته الوظيفية إلا بعد سنوات طويلة قد تصل العقدين من الزمن، ثم تأتيه بعد أن أصبح لسان حاله (ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن أعمل صالحاً ترضاه..) وبراتب لا يكفي لأسبوع واحد من الشهر، فهل نتوقع من هذا المكلوم بُعمره... وعلمه ووطنه أن يكون ذو شخصية تنضح بالولاء!!.. نعم أنا أعترف أن المال لا يشترى القيم والمبادئ والمثل، لكن هذا يكون حين نتحدث عن المال كمال وليس عن راتب شهري لا يكفي لإطعام العيال وكساء المدام وإيجار المسكن.. إلا إذا كانت حكومتنا تقصد بهذه (الملاليم) أو الـ(قروش) تربيتنا على التقشف والزهد والورع فهذا شيء آخر! لكن حتى لو كان هذا صحيحاً ولو بنسبة بسيطة جداً فهل يقترن الزهد بالسهد، والتقشف بالتعسف، والورع بالوَرَب ( أي الفساد).. كلاً لا يستوي هذا وذاك أبداً.
يتحقق الولاء حين يُنظر لهذا الموظف بعين الإنسانية فيعطي له ما يكفيه طالما وقد أصبح مربوطاً إلى خاصرة الحكومة بتلك الوظيفة التي ربما لم تناسب تخصصه أو ميوله.
يتحقق الولاء حين تتحقق العدالة الوظيفية ويُفعل مبدأ الثواب والعقاب ويكون للدولة يد على الفساد الذي يستشري بسخاء في أروقة الوظيفة الحكومية ومكاتبها وهيكلها الإداري وحتى ترقياتها وتعييناتها الصغرى والكبرى..
حين يكون ذلك سنجد ذلك الموظف الذي يستفيق من نومه فجراً ليلتحق بركب الحضارة عبر الثقة المتبادلة بينه وبين حكومة لا تتوقف عن بناء جسور العطاء بينها وبين رعاياها، وحتى يأتي ذلك اليوم سيبقى الموظف (طالب الله)...
ألطاف الأهدل
الولاء الوظيفي..كيف ومتى؟ 1489