من الناس من يتحمل أطنان الألم دون شكوى أو نجوى أو حتى فضفضة.
فهول لا يزال يبتسم في وجوه كل من حوله رغم تزاحم الجراح على قلبه وخاطره.
لا يرى أن للناس ذنباً فيما يعاني أو يقاسي, بل يرى أن من حقهم أن يجدوا منه كل خير وأنس ومحبة وبذلك اللين الذي تنضخه جوانحه يشمل الجميع, وبذلك العطاء الذي تنضح به روحه يغمر الجميع, كأن ذلك الحزن أو القلق أو الضيم الذي يعانيه منهم سر لا يجب أن يكشفه للآخرين مهما حدث.
بل إن البعض منهم قد يؤدي به همه إلى مهاوي الردى صامتاً لتطوى صفحته بكل ما فيها ن أفراح وأحزان لا يعلمها سواه.
هؤلاء البشر هم من تبقى حياتهم مصابيحاً في كوى الحياة تضيء دروب الباحثين عن السعادة في أكوام المال والسلطة والجبروت.
لفرط شفافيتهم يحسبهم الناس سحرة أو كهنة, وهم في واقع الأمر من أصحاب القلوب البيضاء التي لا يلتصق على جدرانها ران الحياة المعاصي والشهوات, بل هي قلوب لفرط صلحها تفيض بالنور حتى تغمر وجوه أصحابها ليعرفهم الناس بسيماهم.
يضحكون ملء أفواههم حتى تصل السعادة والفرح إلى قلوب الآخرين, وحين يبكون يبكون بمفردهم بعيداً عن أعين الناس وأسماعهم وكأنهم خلقوا ليبثوا السعادة لا لينشروا التعاسة والألم.
لا زلت أذكر جدي الذي كان يشع وجهه بالسعادة والرضا وهو يعلمنا الكثير من كاتب حياته الذي وصل السبعين وبعضاً من الثمانين, أذكر ذلك الألق الذي يكلل ويؤطر ملامحه, فمن أين كان ينبعث ذلك النور إلا من قلوب مؤمنة وأرواح طاهرة ونوايا بريئة لا يشوبها ما يشوب قلوبنا وأرواحنا ونوايانا اليوم من منغصات.
حتى وهو يرحل عن هذا العالم صامتاً إلا من ذكر الله كان يبحث في وجوهنا عن شيء من الأمل وبعضاً من السكينة, ولربما لم يجدها في وجوه لا تشبه وجهه وقلوب لا تشبه قلبه هؤلاء البشر محفوفون بالغرابة, فمهما كانت سنوات عمرهم طويلة إلا أنهم يمرون مراً خفيفاً وكأنهم في زيارة خاطفة إلى هذه الدنيا ومن فيها.
كأن أعمارهم هودج أسنمة الأيام على مهل بين مواكب القادمين والغادين إلى الحياة حتى وصلت بهم إلى منازل الموت كأسرع ما يكون.
هؤلاء الذي يبسمون في وجه أقدارهم أبداً, فإن كان خيراً صافحوه وأن كان شراً لاموا أنفسهم قبل أن يلمهم الناس.
ما أعظم أن نعيش مثل هؤلاء, لا يجد الناس منّا إلا خيراً, ولا نستطيع فهم الناس إلا أنهم أخيار مثلنا, فلا نظن بهم ظن السوء ولا نمنحهم الفرصة لذلك, لكن متى؟!
متى نصبح أطهاراً مثل أولئك الذين رحلوا ولم يتركوا لنا إلا بقايا ابتسامات صافية؟..
ألطاف الأهدل
الضاحك الباكي 1356